الصورة تبدو مشابهة على رغم اختلاف تفاصيلها بين «ثورة 25 يناير» (كانون الثاني) 2011 على الرئيس السابق حسني مبارك، وبين «ثورة 30 يونيو» (حزيران) 2013 على الرئيس محمد مرسي. فالإعلام كان في قلب الحدث، يجاري وقائعه السريعة وخلافات أطرافه المحتدمة، وإن كانت خبرته الأولى في كانون الثاني سهلت عليه المهمة في الثورة الثانية، بعدما سُحقت تماثيل «التعتيم الإعلامي» و«الخطوط الحمر» و«مصالح الدولة العليا» مع طوفان الثورة الأولى. وفي ظل وجهات نظر سياسية مختلفة ومتباينة، منذ تولي الرئيس محمد مرسي مقاليد الحكم، أفسح الإعلام المصري الخاص (المقروء والمرئي) المجال للتعبير عن الرأي والرأي المخالف، وإن مالت الكفة غالباً إلى تيار المعارضة، كما مالت كفة قناة «مصر 25» وجريدة «الحرية والعدالة» المحسوبتين على جماعة الإخوان المسلمين إلى كفة الحكومة. القنوات والصحف الخاصة عكست صور ملايين المعارضين في الشوارع. وأفردت مساحة طويلة للتيار المعارض، خصوصاً مع تواري أقطاب الإخوان المسلمين مع تصاعد حدة التظاهرات، واتهامهم هذه القنوات والصحف بالوقوف في صف الطرف الآخر وعدم الصدقية في نقل صور الحشود المؤيدة للرئيس مرسي، بحسب رأيهم. قناة «مصر 25» اعتبرت أن غالبية المعارضة في الميادين، هم مسيحيون وعلمانيون وفلول. غير أنها نجحت في نقل صور حيّة لمؤيدي الرئيس مرسي من محافظات مصر المختلفة على رغم المبالغة غالباً في أعداد المتظاهرين المؤيدين. أما التلفزيون المصري فحاول ارتداء ثوب الحياد بعد أداء متواضع في تغطية «ثورة يناير» ثم فترة حكم المجلس العسكري، محاولاً استضافة ضيوف من الجانبين وإن مالت الكفة قليلاً نحو الرأي المؤيد للرئيس مرسي، قبل أن يعتمد صيغة ثورية مع ظهور بوادر امتلاك الجيش المصري زمام الأمور في البلاد بدلاً من مرسي. وفي خطوة بدت ثورية، أصدر محررو قطاع الأخبار في «اتحاد الإذاعة والتلفزيون» بياناً جاء فيه: «نتوجه نحن العاملين في قطاع الأخبار للشعب المصري بالاعتذار عن ضعف التغطية الإخبارية وافتقارنا للصورة في العديد من المواقع الحيوية التي تكتظ بالمتظاهرين في غالبية المحافظات وبعض المواقع المهمة داخل القاهرة، وذلك نتيجة تعنّت وتعمّد المسؤولين، الذين رفضوا خروج الكاميرات لتصوير الأحداث، لتلقّيهم تعليمات عليا بذلك، على رغم تأكيد رئيس قطاع الأخبار أنه أصدر تعليمات بتغطية كل الأحداث والمواقع والالتزام بالمهنية والموضوعية». وفي غياب ضمانات تكفل حماية الصحافيين ومراسلي الصحف والقنوات الفضائية أثناء تغطية الاحتجاجات، في ظل تحريضات متبادلة بين المحسوبين على المؤيدين والمعارضين، قررت المنظمات الحقوقية تقديم الدعم القانوني للمتظاهرين والصحافيين والإعلاميين طيلة فترة التظاهرات، إضافة إلى تلقي شكاوى المتظاهرين والإعلاميين، وتقديم بلاغات إلى النيابة العامة ورفع دعاوى قضائية بأي مخالفات وانتهاكات وتجاوزات ستحدث ضد المتظاهرين والإعلاميين، فضلاً عن توثيق الأحداث التي تبثها قنوات التلفزيون والفضائيات وما تنشره الصحف عن التظاهرات. ولقي الصحافي في جريدة «الشعب» صلاح الدين حسن صلاح الدين مصرعه في حادث انفجار عبوة ناسفة في ميدان الشهداء (المسلة) في بورسعيد. واستنكر محررو جريدة «الحرية والعدالة»، المحسوبة على حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين التهديدات المستمرة التي يتلقونها من بعض «البلطجية» في ظل غطاء سياسي وإعلامي من قوى سياسية وحركات معارضة، وفي ظل غياب أمني وإعلامي داعم لحق الصحافيين في العمل في ظل أجواء مناسبة، بحسب رأيهم. وحمّلوا قوات الشرطة المناط بها حماية الممتلكات والمنشآت، وقيادات «جبهة الإنقاذ» و»تمرد»، مسؤولية أي اعتداء يتعرّض له مقر الجريدة، متوجّهين لكل صاحب مسؤولية أن يقوم بواجبه تجاه حماية الصحافة والعاملين فيها، وأولهم هؤلاء الذين يعملون تحت ضغط التهديد بالاعتداء. وشدّد البيان الذي أصدره صحافيو الجريدة على أنهم لن يتوقفوا عن أداء رسالتهم، ولن ترهبهم تهديدات «بلطجية» اعتدوا سابقاً، أكثر من مرة، على مقر الجريدة ب»المولوتوف» من دون تحرّك يذكر من مجلس نقابة الصحافيين أو الأجهزة الأمنية لحماية مقر الجريدة وحماية الصحافيين والعاملين. خطوة استباقية وفي خطوة اعتبرت استباقية من جانب حكومة الرئيس مرسي قبل انطلاق تظاهرات 30 حزيران الماضي، أصدرت هيئة الاستثمار قراراً بإعادة تشكيل مجلس إدارة «المنطقة الإعلامية الحرة»، المانحة تصاريح وتراخيص إصدار القنوات أو إغلاقها، ما أدى إلى استبعاد قنوات «دريم» و»سي بي سي» و»النهار»، خصوصاً بعد خطاب مرسي الذي هاجم خلاله محمد الأمين، مالك قنوات «سي بي سي»، متهماً إياه بالتهرب من الضرائب، وأحمد بهجت، مالك قنوات «دريم»، الذي اتهمه بإطلاق يد العاملين في قنواته لمهاجمة الرئاسة. كل ذلك، أثار قلق منظمة «مراسلون بلا حدود» إزاء وضع حرية الإعلام في مصر معتبرة أن سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك في شباط (فبراير) 2011 أوجد حالاً من الأمل في حدوث تغييرات عميقة وتحسناً ملموساً في الحريات الأساسية، خصوصاً حرية الإعلام التي تعد ضرورية في بلد يطمح إلى أن ينعت بالديموقراطي. وأشارت المنظمة إلى وجود تضخم فعلي في الشكاوى المقدمة ضد الصحافيين خلال العام الأول من رئاسة مرسي. كما أصبح الإعلاميون، تحت طائلة الملاحقات القضائية، هدفاً للاعتداءات المتعمدة، في ظل إفلات تام من العقاب. واعتبرت «مراسلون بلا حدود» أن الانتهاكات المتنوعة لحرية الإعلام تعكس إرادة الحكومة والحزب الحاكم في عرقلة التغطية الإعلامية لبعض الأحداث التي يمكن أن تشوّه سمعتهما. أما القنوات الفضائية الخاصة، وهي «الحياة» و»سي بي سي» و»دريم» و»القاهرة والناس» و»النهار» و»أون تي في»، فأصدرت بياناً ترفض فيه الخطابات التي وردت إليها من هيئة الاستثمار والمنطقة الإعلامية الحرة. وجاء في البيان انها «نرفض خطابات التهديد التي وردت إليها من هيئة الاستثمار والمنطقة الإعلامية الحرة، وهو ما تعتبره القنوات الخاصة انتكاسة للحريات التي نالها الشعب بفضل دماء شباب مصر وتضحياتهم خلال «ثورة يناير» المجيدة، التي أسقطت نظاماً اعتاد حصار الحريات والتضييق عليها بمثل تلك الإنذارات. وننبه القنوات الخاصة الى أن الدستور المصري الأخير يحظر في مادتيه 45 و48 غلق القنوات أو مصادرة الصحف إلا بحكم قضائي، الأمر الذي يستوجب اتخاذ كل الإجراءات القانونية التي تحفظ للإعلام المستقل حريته وللمواطن حقه في المعرفة». وفي الصحافة المقروءة، خصصت الصحف المصرية مساحات واسعة على صدر صفحاتها الأولى للأحداث المتعاقبة منذ 30 حزيران، وحتى بعد رحيل الرئيس مرسي، إذ نشرت صحف مستقلة وقومية تقارير ومقالات رأي عن تطور الأحداث في مصر. وكان العنوان الرئيسي لجريدة «اليوم السابع» في 30 حزيران: «كارت أحمر للرئيس... 22 مليون استمارة تمرد تسحب الثقة من الرئيس». أما مانشيت جريدة «التحرير» فكان «إرحل»، وعلى صفحات جريدة «المصري اليوم»: «الميادين لمرسي: سنة كفاية». أما صحيفة «الأهرام» فعنونت: «مصر في قبضة الخوف». ومع عزل مرسي من منصبه كان المانشيت الرئيسي ل»الأهرام»: «كواليس الساعات الأخيرة في حكم مرسي». بينما كتبت «الأخبار»: «وانتصرت إرادة الشعب». وعلى رغم تضامن وسائل إعلامية عدة وشخصيات عامة ونقابة الصحافيين مع توفيق عكاشة، مالك قنوات «الفراعين»، عقب اغلاقها من جانب وزير الاستثمار في حكومة مرسي بتهمة نشر أخبار مغلوطة تهدد الأمن القومي، لما رأوه تقييداً لحرية الرأي، اختلف الحال عند القبض على بعض العاملين في قنوات «مصر 25» و»الحافظ» و»الناس» و»الرحمة» و»الجزيرة مباشر مصر»، وقطع شارة البث عنها، معتبرين اغلاق تلك القنوات وأداً للفتنة. كما دانت لجنة الأداء النقابي في نقابة الصحافيين وقف بث تلك القنوات الفضائية.