العلاقة بين الشباب والعنف في العراق تكاد تكون علاقة توأمة، فانعكاس المحيط العام على حياة هؤلاء، سواء في مواقع العمل أم في الدراسة أم حتى في المنازل، جعل من العنف احد أهم الأدوات التي يستخدمها الشباب للتعبير عن أنفسهم وحتى في مجال الترفيه. وتشهد على ذلك محال الأقراص المدمجة وأجهزة الكومبيوتر في بغداد التي تنفد لديها أفلام العنف والقتال والألعاب العنفية بسرعة فائقة لكثرة الطلب عليها بين الفئات العمرية الصغيرة. قضية العنف في حياة الشباب العراقيين تبدأ من الطفولة حينما يستسلم الأهل لتوسلات الطفل أثناء مرورهم أمام محل بيع الألعاب ويقتنون له مسدساً أو رشاشاً مع رصاصات صغيرة ليألف آلات القتل منذ سن مبكرة. وزارة الداخلية العراقية حذرت الأهالي مراراً من تلك الألعاب وغيرها بعد وقوع مئات الحوادث لا سيما في مواسم العيد حيث يلهو الأطفال في الشوارع بالمسدسات. وسجّلت مستشفيات بغداد وحدها 600 إصابة بين الأطفال برصاصات مسدس أو رشاش من لعب الصغار في عيد الأضحى الماضي غالبيتها أصابت الأولاد في عيونهم أو وجوههم. التربية على العنف تكبر تدريجياً مع نمو الأطفال ووصولهم إلى سن المراهقة ثم الشباب إذ تغذي قنوات أفلام العنف هذه النزعة لدى الكثيرين منهم في تلك المرحلة تليها ألعاب الكومبيوتر وبرامج المصارعة وغيرها. والمشكلة الأكبر أن الشباب في العراق يعتبرون العنف وسيلة ترفيه في أوقات الفراغ إذ يخصصون ساعات طويلة لمشاهدة افلام القتال والمعارك التي تبثها الشاشات بل ويطبقون ما يشاهدونه واقعياً في ما بينهم، وكأنه سمة مهمة وملزمة من سمات الرجولة وسن البلوغ. فالشاب الذي يبتعد عن وسائل الترفيه العنيفة تلك يتم نعته ب»المَرَة» بين أقرانه وكأن الرغبة في السلام والابتعاد عن مظاهر العنف المختلفة تجعله شبيهاً بالفتاة وتنفي عنه سمة الرجولة. فليس من المُعيب رؤية شاب وهو يمسك بخناق آخر قد لا تربطه به أية صفة سوى أن الاثنين تزاحما على ركن السيارات في مكان ما فينشب شجار يبدأ بالسباب وينتهي بضربات موجعة من تلك العصي المتينة التي يقتنيها شباب العراق ويخبئونها تحت مقعد سياراتهم تحسباً لاستخدامها في أي وقت. ويلعب الصيف وأجواؤه الساخنة دوراً كبيراً في تغذية روح العنف عند الشباب، إذ تكثر في هذا الفصل مشاهد الشجار في شوارع بغداد ومواقف سياراتها ومرافقها العامة بسبب تأثير الحر في المزاج بشكل عام بالإضافة إلى وقت الفراغ الطويل الذي لا يجد هؤلاء ما يقتلونه به. عبد السلام محمد جليل أستاذ علم الاجتماع في جامة بغداد يرى أن المجتمع العراقي من أكثر المجتمعات التي ينشأ أطفالها على العنف في مرحلة الطفولة. ويقول: «عندما يكبر الشاب تبقى تلك السمة المكتسبة لديه كما أن المجتمع ذاته يبرر أنواعاً كثيرة من العنف فمثلاً، المتحرشون يمارسون عنفاً لفظياً أو جسدياً أحياناً مع الضحية في الشارع والمجتمع يبرر لهم ذلك ولا يلومهم بحجة إنهم رجال وأنهم بدورهم يتعرضون لعنف أكبر يتمثل في الوضع السائد في البلاد والضغوط التي يتعرضون لها بشكل يومي في حياتهم». وحول ارتباط العنف بالرجولة يعلِّق جليل بالقول: «لا توجد أي نظرية علمية تربط بين الاثنين لكن المشكلة أن العنف بات واقعاً يعيشه الشباب في كل مرفق من مرافق حياتهم ويعكسونه على من حولهم بشكل أو آخر».