بغداد - رويترز - حلمت «أفياء شاكر» كثيراً بقيادة سيارة في شوارع العاصمة العراقية، لكنها لم تكن تملك المال اللازم لشرائها في ظل نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي فرضت عليه العزلة. كما لم تجرؤ بعد الاطاحة بصدام عام 2003 على مواجهة الجماعات الاسلامية أو الميليشيات الشيعية التي تعارض فكرة قيادة المرأة للسيارة. وتقود أفياء البالغة من العمر 35 عاماً سيارة الآن في بغداد، ما يشير إلى تغير المعايير الاجتماعية سريعاً في بلد تخلص لتوه من سنوات من الحرب الطائفية ويمشي في خطى مترددة باتجاه تخفيف قبضة الأحزاب الدينية التي تحكمه منذ الغزو. واشتهر المجتمع العراقي في ستينات القرن الماضي وسبعيناته بأنه أحد المجتمعات الأكثر انفتاحاً في الشرق الأوسط، لكنه تحول ببطء ليصبح محافظاً في شكل أكبر خلال سنوات الحرب والعقوبات والمشقة، وهو اتجاه تسارعت وتيرته بعد عام 2003 مع ظهور الانقسامات حول الهوية على السطح. وكانت النساء لا تغادرن المنزل من دون الحجاب أيام الاقتتال الطائفي الدامي عامي 2006 و2007، فيما كان الشبان يفكرون ملياً قبل أن يلتقوا الشابات في الشارع. يقول جمال، وهو حارس أمن كان يعمل قرب مكان لانتظار السيارات في بغداد كان يشتهر بأنه «ملتقى الاحبة»: «عندما نشطت الميليشيات الدينية وتنامى العنف الطائفي... أصبحت غالبية الناس تتبنى فجأة فكراً دينياً انعكس على الملبس والمظهر وحتى السلوك». ويضيف: «عندما تحسن الوضع الأمني واختفت الميليشيات، استجاب الناس أيضاً لهذه التغيرات». وتراجع العنف في شكل كبير في العراق منذ عام 2008، وانعكس هذا الأمر على مظهر الشباب العراقي الذي انتشر بينه ارتداء السراويل الجينز والقمصان الضيقة وخلع الشابات الحجاب واتباع أساليب جديدة. تقول هناء ادوار من جمعية الأمل العراقية المعنية بالحقوق: «شهدنا تغيراً كبيراً بين الشباب في التخلي عن قواعد صارمة فرضتها قوى دينية». لكن العراق ذا الغالبية المسلمة لا يزال يكافح للاجابة عن أسئلة ترتبط بدور الدين في السياسة ومدى الحريات الشخصية في مجتمع مسلم ومكانة المرأة في ثقافة يسيطر عليها الرجال علناً. وقد تكون الانتخابات العامة التي يشهدها العراق في كانون الثاني (يناير) المقبل ويقف فيها رئيس الوزراء نوري المالكي في مواجهة منافسين من أحزاب شيعية لحظة حاسمة في هذا الصدد. يقول حسين محمد وهو طالب جامعي يدرس الاقتصاد إنه ليس بحاجة لاطالة لحيته أو قص شعره الطويل. ويضيف: «لا يوجد ما يعيب مظهري، فهو موضة وأنا أحبها». ويتمنى البعض أن يؤدي مزيد من الحرية الى إبعاد الشباب عن السلاح في بلد لا يزال يعاني من العنف. وتشير الشرطة إلى أن هناك زيادة في البغاء ووجود المخمورين في شوارع العاصمة العراقية، في حين عادت الى الظهور بقوة الملاهي الليلية التي يقدم كثير منها الخمر والرقص الاباحي. يقول ضابط بارز في الشرطة العراقية إن «الترفيه احدى الآليات التي من الممكن أن نستخدمها لإبعاد الشباب عن الارهابيين والجماعات المسلحة». ويرى ضابط آخر أن «الحكومة تتبع سياسة جديدة الآن... فأي شخص يريد الذهاب الى المسجد فليذهب، وأي شخص يريد الذهاب الى الملهى الليلي فليذهب». وعلى رغم تراجع العنف، إلا أن الهجمات المميتة لا تزال روتيناً في بلد يحوي ثالث أكبر احتياط للنفط الخام في العالم. ويخشى مراقبون من أن يشهد العراق مزيداً من المذابح قبل انتخابات كانون الأول (ديسمبر) المقبل. ويحاول المالكي الذي تأسس حزبه «الدعوة» بهدف تعزيز دور الاسلام في السياسة، اظهار نفسه في صورة جديدة لشخصية وطنية غير طائفية وفي امكانها تلبية المطالب الاساسية للعراقيين مثل الامن والكهرباء، لكن كثيرين يشككون في هذا الأمر. ويصف خالد المحمدي وهو أستاذ في علم الاجتماع «الفقاعة الدينية» التي شهدها العراق خلال السنوات الماضية بأنها مرحلة أخرى من التغيرات الاجتماعية الدائمة التي تطرأ على هذا البلد مثل اطالة اللحى وارتداء الملابس السوداء بعد عام 2003. ويقول إن العراقيين كانوا يقلدون الجيش أيام القائد العسكري صدام و «هذه موضات».