لا يحتاج السلاح ليكون حقيقياً كي يخلّف ضحايا، فالأسلحة-الالعاب الجديدة التي يلعب بها الأولاد، لم تعد بلاستيكية بحتة، بل هي أسلحة نارية الى حد معيّن. والمفرقعات النارية ما هي إلاّ مصدر جديد لإيذاء الأطفال على اختلاف اعمارهم. ويكاد لا يخلو بيت عراقي من الألعاب النارية التي يستخدمها الأطفال للّعب في ما بينهم بشكل يومي، بل إن بعض العائلات التي تملك عدداً كبيراً من الاطفال لا تتردد في شراء مسدس أو بندقية رشاشة لكل طفل واستبدال قطعة أخرى بها عند تعرضها للعطب. اللعب بالمسدسات أمر شائع بين الاطفال في شوارع العاصمة العراقية، وبخاصة في الأحياء الشعبية التي يزيد فيها عدد الأطفال على عدد باقي السكان في الحي ذاته، فلعبة «الشرطة واللصوص» التي تعد من أكثر الألعاب شيوعاً بين الأطفال تحتاج على الأقل إلى ستة أطفال مسلحين يتقاسمون الأدوار في ما بينهم ويحمل الجميع أسلحة نارية. وتعد الأعياد والعطل الرسمية موسماً لاقتناء ألعاب العنف، فتستثمر ساعات طويلة من العطلة التي يقضيها الأطفال في المنزل في ممارسة ألعاب العنف وتوجيه المسدسات أحدهم إلى الآخر، وبخاصة في ايام العيد، التي تبدو فيها هذه اللعبة مميزة للأطفال في الاحياء الشعبية، ليشعر الداخل إليها وكأن رحى الحرب دائرة داخل الحي بين المشاكسين الصغار. بعض الشوارع والأزقة الضيّقة تتحول إلى ساحات قتال بين الأطفال، بل إن كثيرين منهم يتم نقلهم الى المستشفيات بعد إصابتهم بالرصاصات الصغيرة والنبال البلاستيكية التي تنطلق من فوهات تلك المسدسات والبنادق. تكرار الحوادث دفع وزارة الصحة العراقية مراراً إلى تحذير الأهالي من السماح لأبنائهم باللعب بالأسلحة أو اقتنائها في الأساس، لاسيما في الأعياد التي يتم خلالها نقل عشرات الأطفال إلى المستشفيات والمراكز الصحية بعد إصابتهم في الوجه، اذ يتعرض بعضهم للإصابة في العين أو الأنف ما يعرّضهم للنزيف وتمزق أنسجة العين وتصل إلى فقدان البصر. يظهر الباحث المتخصص في علم الاجتماع، نبيل علي سعدون، في إحدى الدراسات التي اجراها طلاب المرحلة الرابعة في جامعة بغداد العام الماضي، ان لعبة مسدس إلى ثلاث، موجودة في العائلة الواحدة طبقاً لعدد الأطفال داخلها. النتيجة التي استخلصها الطلاب بعد توزيعهم 500 استمارة استطلاع، هي ان عدد لعب المسدسات التي يستخدمها الأطفال داخل البيوت تصل إلى اكثر من مليون ونصف المليون لعبة يستخدمها اطفال تتراوح اعمارهم بين 5 و10 سنوات، وأن النسبة الأكبر من هذه المسدسات تتركز في الأحياء الشعبية والفقيرة التي يمارس أطفالها اللعب بهذه الطريقة بكثرة. ويؤكد سعدون أن المشكلة تكمن في عدم قدرة العائلة على إقناع الاطفال بالتخلي عن فكرة شراء لعبة المسدس أو البندقية والنزول عند رغبتهم في اقتنائها خوفاً من أن يشعروا أنهم أقل من أقرانهم الذين يملكون اللعبة ذاتها. ويقول إن مشكلة العنف عند الأطفال في العراق أكبر مما هي عليه في بقية بلدان المنطقة، وأن غالبية الأطفال لا يقتنعون بشراء لعب بديلة من المسدس والكلاشنكوف ويصرّون على آرائهم عند زيارة العائلة محال بيع الألعاب. ويعيد سعدون السبب في تفشي ظاهرة العنف على نطاق واسع بين الأطفال في العراق، الى الظروف النفسية والاجتماعية الصعبة التي عاشها الأطفال في السنوات الماضية، فضلاً عن الرسوم المتحركة التي تعرضها الفضائيات.