حزيران (يونيو) 2011. تاريخ لن ينساه اللبنانيون لما يحمل من ذكرى لآخر التظاهرات الشبابية للمطالبة بإسقاط النظام الطائفي. فبعد هذا التاريخ، دخل الحراك الشبابي في مرحلة من السبات مع تكاثر الأحداث المحلية والإقليمية التي لم تحمل إلا الأجواء السلبية الى لبنان. غير أنّ المشهد تغيّر قليلاً الأسبوع الماضي، اذ كان اللبنانيون على موعد مع حراك جديد انطلق إثر تمديد المجلس النيابي لنفسه وتأجيل الانتخابات التشريعية وانكفاء المجلس الدستوري عن البتّ في الطعن المقدّم من رئيس الجمهورية لوقف هذا التمديد. فالتحرّكات الشبابية التي كانت تضمّ عشرات المتظاهرين في الجلسات الأولى للمجلس الدستوري الذي لم يكتمل النصاب فيه للانعقاد رسمياً، تكثّفت وصولاً الى الاعتصام الحاشد الذي نظّم يوم 20 حزيران (يونيو) الماضي وقد جمع مئات المتظاهرين الذين حاولوا الوصول الى ساحة النجمة حيث يقع مبنى البرلمان، فاصطدموا مع القوى الأمنية التي حاولت إبعادهم عن الساحة. ونصب الناشطون الخيم قرب المجلس النيابي، موجّهين النداء عبر مواقع التواصل الاجتماعي الى كلّ من ينادي بالتغيير للالتحاق بهم. في هذه اللحظة، استعاد كثيرون من اللبنانيين الأمل بأنّ التغيير ما زال ممكناً على رغم كلّ الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد، في حال توحّد الشباب على مطلب واحد هو رفض التمديد. ولكي يكون الحراك مستمراً، كان الشباب على موعد مع تظاهرة أخرى يوم الجمعة الماضي، مع تأكيد الناشطين أنّهم لن يسكتوا عن «الحالة اللاشرعية التي باتت أمراً واقعاً في لبنان»، وهم سيواجهون التمديد بكلّ الوسائل السلمية المتاحة لهم. عودة الحراك يتفاءل الناشط مروان معلوف، وهو أحد المنظّمين للتحرّك الرافض للتمديد، بعودة الزخم الى الشارع واهتمام الشباب بالتعبير عن غضبهم من «الانقلاب» الذي حدث بعد تمديد البرلمان لنفسه. ويقول معلوف: «الشباب أظهروا وعياً كبيراً لخطورة الموقف بعدما وضع النوّاب الشرعية الشعبية جانباً»، مؤكداً أنّ كلّ الطرق سيتمّ استخدامها للتمرّد على التمديد». ويشدّد معلوف على أنّ «الطبقة السياسية وصلت الى مرحلة الإفلاس السياسي، وهذا ما دفع مئات المواطنين من مختلف الفئات والأعمار للنزول الى الشارع والتظاهر، بما يتضمّن القطاعات الطالبية التي كانت غائبة منذ فترة عن التحرّكات الميدانية». ويشدّد معلوف على استمرار التحرّك، خصوصاً أنّ الشباب «يعون التحدّي الذي يواجهونه»، ويقول: «أمامنا سنة ونصف السنة لن نمرّرها على خير في حال استمر التمديد». أمّا عن التصادم مع القوى الأمنية، فيؤكد معلوف أنّ الناشطين كانوا يملكون الحقّ بالوصول الى ساحة النجمة، لأنّهم أعطوا علماً وخبراً بذلك وحدّدوا مكان الاحتجاج في الساحة، «فالساحة ساحتنا» كما يقول الناشط المعروف بتاريخه الطويل في دعم الحراك الشبابي، معلناً رفضه لتحوّل ساحة البرلمان الى «مربّع أمني جديد يمنع المواطنون من الدخول إليه». «نوّاب سابقون» رأي موحّد جمع المشاركين في الحراك الشعبي خلال الأسبوعين الماضيين: التمديد انقلاب على إرادة الشعب، ولا يمكن القبول به أو السكوت عنه. هذا المطلب هو الذي جمع مئات الناشطين من مختلف القوى المدنية والمنظّمات والجمعيات الأهلية والقطاعات الطلابية في مكان واحد، فالنوّاب أصبحوا «نوّاباً سابقين»، وللمرّة الأولى يمكن اعتبار رئيس المجلس النيابي نبيه بري «رئيساً سابقاً» كما قال المشاركون. وفي هذا السياق، يقول الناشط والصحافي محمود الغزيّل إنّه «لو تمّ إقرار تمديد تقني لعدد محدّد من الأشهر بهدف التحضير للانتخابات النيابية، كان يمكن أن يكون الاعتراض أقلّ حدّة. لكنّ التمديد لأكثر من سنة دليل على عدم الاعتراف بحقّ الشعب في انتخاب ممثّليه». ويضيف غزيّل أنّ التحرّكات التي حصلت في وسط بيروت قد جمعت ناشطين من مختلف الفئات، «ولكلّ مجموعة مشاريعها الخاصة، ولكن الهدف النهائي كان واحداً وهو الرفض العلني للتمديد، ما يُعتبر معركة رئيسة لكلّ قوى المجتمع المدني وغيرها من المجموعات الناشطة في الشأن العام». ولا شكّ في أنّ الناشطين الشباب المشاركين استطاعوا «إيقاظ» الحراك الذي فقد الكثير من قيمته بعد تراجع مختلف القوى المدنية عن التظاهرات ضدّ النظام الطائفي، لكنّ تبقى الخشية من أن ينهار هذا التحرّك أيضاً تحت وطأة المزايدات بين المنظّمات والقوى المدنية والاصطفافات الطائفية والمذهبية. فالناشطة جومانا مرعي تشدّد على الحاجة الماسة الى تحصين حراك المجتمع المدني، و «إلا أخذ الى مكان آخر لا يريده المنظّمون والمشاركون الذين يريدون المطالبة بمصالح النّاس من موقع مدني مستقلّ». وترى مرعي أنّ القوى المدنية والمجموعات الشبابية «تحتاج الى مراجعة خطابها وآليات عملها، لكي يبقى الحراك محافظاً على هويته بدل أن يسقط مجدداً في فخّ النظام الطائفي».