الدقائق الأخيرة قبل بداية الجولة الأولى عادة ما تكون مزيجاً من التسخين والتهييج والتأجيج والتهديد والوعيد. ف «أندرتيكر» يُقسم أنه سيسحق «تريبل إتش»، و «تريبل إتش» يجزم بأنه مقبل على تكسير عظام «أندرتيكر». وأمام هذا القسم بالسحق يهلل مشجعو «أندرتيكر» ويهتفون بحياته موجهين إشارات التهديد والوعيد الى مشجعي الفصيل الآخر. أما الجزم بالتكسير، فإنه يدغدغ مشاعر محبي «تريبل إتش» الذين يفجّرون شحنة الأدرينالين الزائدة في وجوه مناصري «أندرتيكر» عبر التهديد والوعيد بالذبح والتنكيل بعد المباراة. ولأنها تبقى مباراة بين غالب ومغلوب، ولأن كلا المصارعين يعرف تماماً أنه يتلاعب بمشاعر مؤيديه ومناصريه، ولأن المؤيدين والمناصرين جاؤوا إلى الحلبة طواعية، فإن لا تهديد هذا ولا وعيد ذاك سيؤجل المباراة أو يلغيها. وعلى رغم أنه يفترض أن تكون حلبة السياسة ذات قواعد مختلفة وأسس منضبطة غير تلك السائدة في المصارعة، حيث لا يقف رئيس الدولة في مواجهة فصيل من الشعب، إلا أن الحلبة المصرية تشهد وقوف الرئيس ومشجعيه ومن معهم من المصريين في مواجهة بقية الشعب في جولة تحمل شعار «غالب أو مغلوب»! وين الغالب والمغلوب شعب غلبان يترقب ما هو مقبل عليه اليوم ويكاد قلبه ينتفض من بين ضلوعه. أحاديث المواطنين في الشوارع والبيوت والمقاهي تتأرجح بين بكائيات الثورة المخطوفة وملامات الإطاحة بنظام مبارك في إطار المقارنة بين السيء والأسوأ، وابتهالات النجاة من الاستقطاب السياسي الذي حوّره الحكم وحلفاؤه ليتحول إلى صراع بين الإسلام والكفر، بين المسلمين والكفار، بين الجنة والنار. جنّة الإسلاميين ونار المعارضين، أو نار الإسلاميين وجنة المعارضين، تتوهج إشاعات ومعلومات مغلوطة وأذرع منظّمة لبث الخوف والرعب تحسباً للجولة الأولى على الحلبة اليوم. فميادين «المتوضئين» في «رابعة العدوية» تؤكد أن الموافقة على انتخابات رئاسية مبكرة بعد سبع سنوات، أي انقضاء مدتين لمرسي، وربما ذلك يأتي في سياق الحلم الذي أتى أحد المشايخ ورأى فيه مرسي وقد وقفت ثماني حمامات خضراوات على كتفه، في إشارة إلى أنه سيكمل مدتين في المنام الذي انتشر انتشار النار في هشيم رابعة العدوية حيث أنصار مرسي من الإسلاميين. أما «أنصار الإسلام» من دون مرسي في بقية ميادين مصر فلم يروا أحلاماً لكنهم يعيشون - كما يبدو - كوابيس منذ عام كامل واجهوا فيه ترهيباً ومحاولات تخويف، تارة بمشاهد «أنصار الشرعية» وهم يؤدون تمرينات قتالية مرتدين الخوذات ومسلحين بالعصي، وتارة تحذيرات عنكبوتية عن «بلطيجة مأجورين» يندسون وسط المتظاهرين بغرض القتل والتحرش، وثالثة عبر أذرع الحكم المغردة والمدونة والمصرحة باتهامات تعيد تدوير حديث «عاشور بتاع الزقازيق» و «فودة بتاع المنصورة» لمحاولة إظهار مجريات اليوم وكأنها من تأليف وتلحين وإخراج ثالوث الفلول والبلطجية والثورة المضادة تارة، أو المربع الشيطاني للعلمانيين الكفرة أعداء الدين كارهي الشريعة تارة أخرى. آخر ما كان يمكن أن يخطر على بال هو أن ترفع ميادين الثورة المصنّفة إخوانياً ب «ميادين المخمورين» صور سفيرة الولاياتالمتحدة لدى مصر السيدة آن باترسون - التي ذاع صيت زياراتها في الأيام الأخيرة بين نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين المهندس خيرت الشاطر ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم - منددة بها وب «تدخلها السافر» في شؤون البلاد، وهو التنديد الذي كان حتى الأمس القريب سمة من سمات تيارات الإسلام السياسي. تيارات الإسلام السياسي المحتشدة في «رابعة العدوية» أمطرت صور الرئيس محمد مرسي قبلات يوم أمس، في حين أمطر مصريون كثيرون في الضفة المقابلة صور السفيرة الأميركية المرفوعة في الكثير من الميادين والملصوقة على الكثير من الجدران بالكثير من عبارات التنديد! بعضهم تفكّه بأن هذا الهجوم من جانب «ميادين المخمورين» - المصنفين من جانب خصومهم ب «العلمانيين أنصار المشروع الصهيو-ليبرالي» - على الولاياتالمتحدة سحب سجادة الجهاد ضد «الشيطان الأميركي» من تحت أقدام الإسلاميين. وإلى أن يطلق الحكم صفارة بدء الجولة الأولى ينشغل هذا الميدان بترديد أهازيج النصرة وأناشيد حب مرسي، ويتفكه هذا الميدان بأغنية «أعاتبك على إيه ولاّ إيه؟ على النور ولاّ السولار؟ ولاّ سعر الدولار؟ على دستوري إللي أنت سلقت فيه. أعاتبك على الصباع (الإصبع) ولاّ النيل إللي ضاع؟!»