عاش المصريون أجواء خوف عشية تظاهرات تنوي المعارضة تنظيمها للمطالبة بسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي. لم يكن من حديث للمصريين سوى مصير بلدهم بعد ذلك اليوم، وما إن كان الحكم سيتمكن مع حلفائه من احتواء الغضب الشعبي، أم ستنجح المعارضة في إرغام جماعة «الإخوان المسلمين» على التخلي عن السلطة. لكن السيناريو الأكثر رعباً كان أن تندلع الفوضى في مصر في ظل تمسك تياري الموالاة والمعارضة بمواقفهما المتعارضة. واستنفرت أمس كل الأطراف، في الحكم والمعارضة، فاجتمع الرئيس مرسي بوزيري الدفاع عبدالفتاح السيسي والداخلية محمد إبراهيم، حيث جرى استعراض آخر الاستعدادات الأمنية التي تم اتخاذها لتأمين المنشآت الاستراتيجية والحيوية في الدولة وتأمين المتظاهرين، بحسب بيان رسمي مقتضب. كما تدخلت المؤسسات الدينية على الخط، فأكدت دار الإفتاء المصرية أن حمل السلاح خلال التظاهرات «حرام شرعاً»، فيما شدد بطريرك الأقباط تواضروس الثاني على «الالتزام بالسلمية». وعشية التظاهرات، أبدى طرفا الصراع ثقة في الفوز في المعركة. فحركة «تمرد» التي تبنت التظاهرات، أعلنت أمس جمعها ما يناهز 22 مليون توقيع لسحب الثقة من مرسي، معتبرة أن «حكم الإخوان سقط بالفعل»، الأمر الذي قابله حزب الحرية والعدالة الحاكم بمزيد من التحدي، مؤكداً أن تظاهرات اليوم «لن تغيير في الأمر شيئاً.. وأن مرسي سيمارس عمله في اليوم التالي». وقال مؤسس «تمرد» محمد عبدالعزيز في بيان تلاه أمس: «باسم الملايين التي وقّعت (وثيقة سحب الثقة)، محمد مرسي عيسي العياط لم يعد رئيساً شرعياً لجمهورية مصر العربية»، مشيراً إلى أن الحركة جمعت على مدار الشهرين الماضيين 22 مليوناً و134 ألفاً و465 توقيعاً لسحب الثقة من مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ودعت «تمرد» الشعب المصري إلى الاحتشاد أمام قصر الاتحادية وفي ميدان التحرير وميادين مصر لإعلان سحب الثقة على أن تنتقل السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا، مؤكدة «سلمية التظاهرات». وأعلن عدد من أعضاء مجلس الشورى من التيار المدني المنتخبين والمعينين تقدمهم باستقالة جماعية للمطالبة برحيل مرسي. وضمت لائحة المستقيلين: ناجي الشهابي ومنى مكرم عبيد ونبيل عزمي وسوزي عدلي ناشد وماجد العقاد وجمال حليم، إضافة إلى نادية هنري. لكن رئيس الشورى أحمد فهمي أكد اعتزاز المجلس بجميع أعضائه، مشيداً بالمشاركة الإيجابية والفاعلة للمستقيلين خلال الفترة الماضية، معلناً دعوة هيئة مكتب الشورى للاجتماع لاتخاذ الإجراءات بشأن قبول الاستقالات. من جانبها أكدت الجمعية الوطنية للتغيير أن مطالب الأمة هي عزل الرئيس وإسقاط الدستور وجميع الإعلانات الدستورية وتشكيل حكومة ثورية لإدارة مرحلة انتقالية لمدة عام. وشددت، في بيان، على ضرورة عزل الرئيس «الذي فقد شرعيته بسبب عدوانه على الدستور والقانون وعجزه عن حماية الأمن القومي وتحالفه مع المشروع الصهيوأميركي ووصفه مجرم الحرب شمعون بيريز بأنه صديقه الوفي، فضلاً عن فشله الذريع في إدارة الدولة». ودعت الجمعية إلى تشكيل حكومة ثورة تتوافق عليها القوى الوطنية، ويكون لها كامل السلطات في إدارة شؤون البلاد وعلى رأسها توفير الأمن وإنقاذ الاقتصاد وحماية الأمن القومي وتحقيق العدالة الاجتماعية. ودعت الجيش وقوات الأمن إلى «حماية التظاهرات والاعتصامات السلمية والانحياز لمطالب الشعب وتحقيق إرادته»، فيما تعهد المرشح الرئاسي السابق خالد علي بأن الثوار «لن يقفوا مع الفلول ولن يكونوا غطاءً لعودة العسكر في الوقت الذي يثورون فيه على الإخوان»، وأكد علي، في تغريدة على «تويتر»: «لن نكون صفاً واحداً مع الفلول ولن نكون غطاءً لعودة العسكر.. فلا للإخوان ولا الفلول ولا العسكر.. الثورة مستمرة». في المقابل، طالب المرشد العام لجماعة الإخوان محمد بديع الجميع بالوقوف مع الشرعية المنتخبة، وحماية مصر من الارتداد عن الديموقراطية ومحاولة إعادة إنتاج النظام السابق، وقال بديع، في تغريدة على «تويتر»: «لنَحْمِ مصر وشعبها ومؤسساتها من شر كل من أراد بها الشر بإخلاص النوايا لله والوحدة والحوار البناء»، وشدد على أن الدم المصري كله حرام، مطالباً بالحفاظ على دماء المصريين كل المصريين، ورفع الغطاء عن العنف ومستخدميه ومُروِّجيه. وأضاف: «لندعُ الله مخلصين جميعاً رجالاً ونساء صغاراً وكباراً أن يرفع عن مصر البلاء والضَّراء فالدعاء والبلاء يعتلجان.. فالدعاء المستجاب ينتفع به الصالح والطالح». أما نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الحاكم عصام العريان فأبدى ثقته في مرور التظاهرات، وقال «التظاهرات المرتقبة لن تغيّر شيئاً والمصريون سيمارسون حياتهم المعتادة في اليوم التالي وسيعود الرئيس مرسي إلى عمله». وأضاف: «يوم غد سينتهي مع حلول الظلام، وينتهي الكلام كله مع منتصف الليل بإفلاس الخبراء والمحللين عن فهم طبيعة المصريين، الذين يسرعون إلى النوم لينالوا قسطاً من النوم، ليستيقظوا من جديد فيمارسوا حياتهم المعتادة في الحقول والمصانع والمدارس والجامعات ولا محاكم فهي في أجازة صيفية بعد عناء، ويتوجه السيد الرئيس محمد مرسي إلى مكتبه». وأشار العريان القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين إلى أن متظاهرين مؤيدين ومعارضين سينزلون ليعبروا عن مواقفهم وآرائهم السياسية بكل حرية ويجتهدون «لمنع أي انحرافات» عن سلمية التظاهرات. وعلى الصعيد نفسه طالب بطريرك الأقباط البابا تواضروس الثاني المصريين جميعاً بالتزام السلمية في التعبير عن آرائهم السياسية، والصلاة من أجل مصر، ودعا في تغريدة على صفحته الرسمية على «تويتر»، الجميع إلى الصلاة من أجل مصر والتفكير والتحاور معاً والتعبير عما في قلوبهم تجاه الوطن «لكن بلا دم». وقال: «مصر تحتاج كل المصريين اليوم: نفكر معاً.. نتحاور معاً.. نعبر معاً عما في قلوبنا تجاه الوطن ولكن بلا عنف، بلا اعتداء، وبلا دم، صلوا من أجل مصر». وجددت دار الإفتاء المصرية تأكيدها حرمة حمل السلاح أياً كان نوعه في التظاهرات السلمية، مطالبة أجهزة الدولة بالقيام بمسؤوليتها في حماية المواطنين السلميين والممتلكات العامة والخاصة. وقالت دار الإفتاء، في بيان، «إن حمل السلاح في التظاهرات السلمية أياً كان نوعه حرام شرعاً، ويوقع حامله في إثم عظيم، لأن فيه مظنة القتل وإهلاك الأنفس التي توعد الله فاعلها بأعظم العقوبة وأغلظها». وشددت على حرمة الدم المصري كله، مؤكدة رفضها التام للعنف بكل أشكاله والذي أدى إلى إراقة دماء الأبرياء على اختلاف انتماءاتهم. واستنكرت الاعتداء على المساجد والمنازل والممتلكات العامة والخاصة في اليومين السابقين، وطالبت أجهزة الدولة بالقيام بمسؤولياتها في حماية أرواح كل المواطنين المصريين والمنشآت العامة والخاصة، معتبرة أن العنف لم يكن ولن يكون أداة للتعبير عن الرأي. في غضون ذلك أمر النائب العام المستشار طلعت عبدالله بإعادة فتح التحقيقات في كل البلاغات التي تلقاها مكتبه حول قيام مجموعة من الأفراد بالتحريض على قلب نظام الحكم في مصر، حيث كلف المستشار حسن ياسين رئيس المكتب الفني، بتجميع كل البلاغات التي قدمت ضد العديد من رؤساء الأحزاب والقيادات السياسية التي دعت للخروج في تظاهرات اليوم للانقلاب على الرئيس بدعوى عدم قدرته على إدارة البلاد.