أزمة كهرباء ونقص في الوقود...؟ لا، بل أزمة نقص في المناعة حيال الطيش والتهور، وشهوة الاستئثار بالسلطة، بعد طول انتظار، وحيال شهوة القفز على رقاب الناس بعد انتزاع شهادة... حسن ركوب موجة الثورة. يقول مواطن مصري، عايش ثورة 25 يناير التي أطاحت حسني مبارك، ويستعد ليوم «الغضب الكبير» في 30 يونيو (حزيران). ما الذي تغيّر بين 2011 و2013؟ الأحد تكتمل سنة على حكم جماعة «الإخوان المسلمين» تحت عباءة الرئيس محمد مرسي. مرة أخرى يرفع شعار «إرحل، إرحل»، ثورة ثانية إذاً؟ كثيرون من حركة «تمرد» وأحزاب المعارضة يأملون ب «تحرير 25 يناير» الذي «خطفه الإخوان». والسؤال حتماً هو بأي ثمن. فحال «أم الدنيا» اليوم ليست كما كانت عام 2011، وركض المعارضة نحو ركوب موجة «تمرد» لا يصلح مثالاً، إذ يكرر فعلة «الإخوان» مع شباب 25 يناير. حال مصر اليوم مزيد من البطالة والفقر والتأزم الاقتصادي، وآمال ضئيلة باستقرار استثمارات، فيما الحكم يستثمر ب «تفوق» استيلاد خصومات مع الجميع، وتعتبر فئات واسعة من المصريين أنه «لا يتعلم ولا يجدي ان يتعلم إذا لم ينتزع قبعة الإخوان»، ويقصي الحزبيين عن إدارة الدولة قبل غرق سفينتها. ولكن، هل بقي وقت لتخيير مرسي؟ وهل ينفع خطابه أمس في تنفيس الغضب الكبير قبل حشود 30 يونيو؟ أيكفي استبدال حكومة هشام قنديل، لإقناع الشارع بالتخلي عن شعار إطاحته مرسي؟ أم يوهم الحكم نفسه بأن مجرد اعتذار عن «أخطاء» في إدارة الأزمات المتلاحقة، سيصنع له شعبية بعدما تآكل رصيده سريعاً منذ مطلع عهده؟ الأكيد أن مرسي لا يقوى على شق طاعة مرشد «الإخوان» ولو أراد، وأثبت مرات أن القصر عاجز عن ضبط فلتان أنصار الجماعة الذين يتاجرون بشعار الدفاع عن «شرعية الرئيس» لتشريع حملات مطاردة خصومه ومعارضيه في الشارع... والمؤسسات. لكن محاكم التفتيش الجوّالة التي لم تستثنِ منابر الإعلام، كانت الحاضنة الكبرى لبيئة العنف المخيف الذي يشيع الذعر لدى غالبية المصريين. وما حصل في محطة عبدالمنعم رياض للباصات في قلب القاهرة، وعلى كورنيش النيل ليل الثلثاء، على طريقة «الحواجز» الشعبية للاقتصاص ممّن يُشتبَه في انتمائه «الإخواني»، يُثبت كم باتت مصر بعيدة في النفق المظلم. في 25 يناير كان الشارع في مواجهة الحاكم وعقودٍ من القمع والابتزاز بسلاح الرغيف. في 30 يونيو، وبفضل «حكمة» المنتصرين بصناديق الاقتراع، باتت المواجهة حرباً بين شارع «الإخوان» وشارع كل الخصوم الذين عايشوا على مدى سنة الانهيار السريع لما بقي من شرعية لمؤسسات الدولة والقضاء. وأما ما يتباهى به الرئيس مرسي من إطلاق ديموقراطية التعبير التي تحوّلت إلى حفلات شتائم وتخوين وتكفير على الهواء، فلعله في ظل اقتناع ب «انتهازية الإخوان» منذ اليوم الأول ل «ركوبهم الثورة»، يصبّ الزيت على نار اقتتال مخيف. لا يجدي الآن، إحصاء أخطاء عهد «الإخوان» وكوارث التسرّع لتثبيت أقدام الجماعة بدل تثبيت الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لحوالى تسعين مليون مواطن. لكن الأكيد أن مرسي كرر أخيراً في سياسته «السورية» (قطع العلاقات مع نظام دمشق) ما فعله في حرب غزة، وظن ان استرضاء الأميركيين سيعفيه من استحقاق الشارع، أو على الأقل سيحيّدهم، في المواجهة مع المعارضين. وإذ يبدو الآن أن تنحّي مرسي لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، شبه مستحيل، ولم يمضِ سوى سنة على تذوّق «الإخوان» طعم السلطة، يردد بعض المصريين بعض وقائع 25 يناير. وإن لم يكن متوقعاً لجم مرسي مؤيديه، تفادياً لموجات قتل وثأر، يُستبعد كذلك نجاح الحكم والمعارضة في استيعاب مغزى الإنذار الأخير الذي أطلقه وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي، لمنع «انزلاق مصر في نفق مظلم من الصراع أو الاقتتال الداخلي». ففي 30 يونيو ستتنصل «جبهة الإنقاذ» من أي عنف لأن حركة «تمرد» في الواجهة، ويتنصل «الإخوان» فيما خصومهم يحرقون مكاتبهم... وأكثر ما تجيده الجماعة أداء دور الضحية. وأما مصر فتبقى وحيدة، بعيدة في نفق أسود.