ذكرت مصادر متطابقة أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي يزور غداً الخميس إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية، يحمل معه «أفكاراً جديدة» لإقناع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالعودة إلى طاولة المفاوضات، تقضي بأن يعلن نتانياهو استعداده لتقديم «لفتات طيبة» للفلسطينيين عشية شهر رمضان المبارك (بعد أسبوعين) تتمثل بإفراج إسرائيل عن عدد محدد من الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال قبل اتفاق اوسلو عام 1993، وعددهم 104 اسرى، وذلك بعد فشل كيري في حمل اسرائيل على تجميد البناء في المستوطنات، والاعتراف بحدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967 أساساً لاقامة دولة فلسطينية مستقلة. ورأت المصادر أن احتمال أن ينجح نتانياهو في إقناع الحكومة الاسرائيلية الأمنية – السياسية المصغرة باتخاذ قرار لوقف البناء في المستوطنات الواقعة خارج التكتلات الاستيطانية الكبرى «أصبح أكثر واقعيةً»، في مقابل تنازل عباس عن مطلبيه الرئيسيين بأن تكون حدود 1967 مرجعية للمحادثات، وبأن يتم رسم الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة. ويعتقد كيري أنه عبر رؤيته الجديدة يمنح كلاً من نتانياهو وعباس «إنجازاً علنياً» من دون أن يظهرا وكأنهما تنازلا عن مواقفهما السابقة ومن دون أن يُعتبر استعداد كل منهما تليين مواقفه «خنوعاً للشروط المسبقة». وأضافوا أن موافقة نتانياهو على الإفراج عن أسرى ستكون بمثابة انجاز كبير لعباس سيحظى بتقدير الشارع الفلسطيني الذي يرى في قضية الأسرى الأكثر إلحاحاً وأهمية. ولم تستبعد الصحيفة أن يشرع جهاز الأمن العام (شاباك) وسلطة السجون في وضع معايير تحدد أياً من الأسرى يمكن الإفراج عنهم من دون تعريض أمن الإسرائيليين إلى الخطر، فيما تدرس وزيرة العدل الاسرائيلية تسيبي ليفني ملفات جميع أسرى ما قبل «اتفاق اوسلو» لمعرفة الجوانب القانونية لاطلاق سراحهم في حال وافقت الحكومة على ذلك مقابل العودة الى المفاوضات. وقالت المصادر إن كيري يعمل على اقناع الجانب الاسرائيلي بقبول اطلاق الاسرى الذين مضى عليهم في السجن بين 20 و32 عاماً، ووقف اصدار عطاءات جديدة للبناء في المستوطنات أثناء المفاوضات، والسماح للسلطة بإقامة مشاريع اقتصادية في المنطقة (ج) الواقعة تحت السيطرة والادارة الاسرائيلية الأمنية والمدنية. وأضافت ان نتانياهو لم يوافق بعد على إطلاق جميع الاسرى، وأنه وافق على اطلاق عدد منهم على دفعات وتحفظ عن عدد آخر. واشارت الى أن الاتصالات الأميركية مع الحكومة الاسرائيلية تركز على اقناعها باطلاق سراح هؤلاء الاسرى دفعة واحدة. ويحظى الاسرى الفلسطينيون، بخاصة القدامى، بتعاطف واسع في الشارع الفلسطيني. ويرى كثير من المراقبين ان الشارع الفلسطيني سيرحب بعودة عباس الى المفاوضات لفترة محدودة في حال نجاحه في اطلاق سراح الاسرى القدامى. وقال ديبلوماسي غربي ل «الحياة» إن بلاده تعتقد إن عباس سيبدي مرونة في مسألة العودة الى المفاوضات في حال موافقة اسرائيل على اطلاق جميع الأسرى القدامى لفترة محددة مثل ستة شهور. ورجح هذا الديبلوماسي أن ينجح كيري في تقديم «صيغة مرضية» للجانبين من أجل العودة الى المفاوضات. ولفت الى ان «الجانب الفلسطيني يدرك أن وقف الاستيطان بصورة تامة غير ممكن بعد أن أخفقت ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الاولى والثانية في الزام الحكومة الاسرائيلية على القيام به، ويدرك أيضاً أن حكومة نتانياهو لن تقبل اقامة دولة فلسطينية على حدود 67. كما ان الجانب الاسرائيلي يدرك بأن عباس لن يعود الى مفاوضات مفتوحة ودائمة من دون ثمن». وأضاف: «وبما أن الطرفين ليس لديهما بديل سحري لحل مشكلته، فان الحل الوسط سيكون مرضياً لهما لفترة من الوقت». ويقوم الاقتراح الاميركي على اطلاق المفاوضات حول الحدود والامن. وتهدف المساعي الاميركية الى اعادة ادارة العملية السلمية على نحو يحول دون حدوث انفجار فلسطيني - اسرائيلي. وقال الديبلوماسي الغربي ان «الحل يبدو غير متاح في ظل القيادة الاسرائيلية الحالية، لكن البديل هو التدهور وهو ليس في صالح أحد منهما، لذلك لا بد من ادارة الازمة لحين ظهور عناصر اخرى تساعد الطرفين على التوصل الى اتفاق ينهي هذا الصراع التاريخي». ورأى ديبلوماسيون أن الأيام المقبلة تعتبر حاسمة للجهود الأميركية لإحياء عملية المفاوضات إذ أن استئنافها سيحول دون توجه الفلسطينيين إلى الأممالمتحدة خصوصاً إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وأفادت «يديعوت احرونوت» أن كيري يعمل على إقناع نتانياهو بأن تكون مسألة الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية في رأس جدول الأعمال، مشيرةً إلى أن نتانياهو معني بإرجاء البحث في هذه المسألة لوقت لاحق لإدراكه بأن مطالبه في هذه المسألة لا تلقى الموافقة لدى الإدارة الأميركية أو الاتحاد الاوروبي. إلى ذلك نقلت الصحيفة عن ديبلوماسيين غربيين التقوا أخيراً الرئيس الفلسطيني قولهم إنه مستعد أكثر من أي وقت مضى لاستئناف المفاوضات حتى بثمن انتقادات قد يتعرض لها من الشارع الفلسطيني لكن شرط أن يعلن نتانياهو مسبقاً أن الحدود سيتم ترسيمها طبقاً لحدود العام 1967، لكنهم أضافوا أن عباس قد يكون مستعداً للتنازل عن هذا الشرط. وبرأي هؤلاء الديبلوماسيين فإن التغيير في موقف عباس مرده «رغبته في إماطة اللثام عن وجه نتانياهو الحقيقي» ليثبت للعالم أن الأخير ليس جدياً في استئناف المفاوضات وأنه يبحث عن المماطلة ويتمسك برفضه الانسحاب من الأراضي الفلسطينية. وكتب كبير المعلقين في الصحيفة ناحوم برنياع إن عباس يفترض أنه مع استئناف المفاوضات مع إسرائيل سيحاول نتانياهو التهرب من البحث في قضية الحدود وعندها ستتفجر المحادثات «وسيتهم المجتمع الدولي إسرائيل بتفجيرها فتظهر هذه كمن تنتهك القانون الدولي ويجب معاقبتها». وأضاف أن عباس يهدد بحل السلطة الفلسطينية «لا بانتفاضة ثالثة» في حال توقفت المفاوضات. إلا ان رئيس فريق المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات نفى صحة كل ما يثار في وسائل الاعلام الإسرائيلية واعتبره مجرد بالونات اختبار وتكهنات تهدف إلى خلط الأوراق وإثارة البلبلة. وشدد عريقات على أن الرئيس الفلسطيني يتمسك بمبدأ الدولتين على حدود 1967، كما أسس لذلك القانون الدولي، واعتبر أن ما تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية حول التنازل الفلسطيني عن حدود 1967 عارٍ عن الصحة جملة وتفصيلاً. جاء ذلك أثناء لقاء عريقات أمس مع قناصل وممثلي اميركا، فرنسا، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا، كل على حدة. وأشار عريقات الى أن القيادة الفلسطينية ما زالت تبذل كل جهد ممكن لإنجاح جهود كيري في استئناف المفاوضات على أساس مبدأ الدولتين على حدود 1967، وتنفيذ الحكومة الإسرائيلية التزاماتها بوقف الاستيطان والإفراج عن المعتقلين. ولفت عريقات الى ان «استمرار الاجراءات الإسرائيلية، من الاستيطان وتعزيزه وهدم البيوت وتهجير السكان والإعلان عن موت خيار الدولتين الى زيارة نتانياهو لمستوطنات الضفة الغربية والتي كان آخرها لمستوطنة برقان، تدخل جميعها ضمن نهج تعطيل جهود الوزير كيري، وتدمير خيار الدولتين».