منذ أن أصدر المفكر المغربي الكبير عبدالله العروي كتابه الشهير «الايديولجية العربية المعاصرة» باللغة الفرنسية وهو يحتل موقع الصدارة في التفكير العقلاني العربي الحداثي. فهذا الكتاب شكل لحظة صدوره قطيعة مع الكتابات العربية التي سبقته وتناولت الموضوع نفسه، أي علاقة الذات مع الآخر، المتمثل في الغرب تحديداً. هذا الكتاب الذي ترجمه إلى اللغة العربية في البداية محمد عيتاني أعاد العروي بعد أعوام ترجمته. والأمر ذاته قام به مع كتبه الأخرى التي كتبت أصلاً باللغة الفرنسية. وها هو الآن، يتجه إلى ترجمة أعماله السردية الإبداعية المكتوبة هذه المرة باللغة العربية بعد أعماله الفكرية السابقة، وكان سبق للكاتبة الفرنسية كاترين شاريو ترجمة روايته الأولى «الغربة» إلى الفرنسية ترجمة ناجحة، حظيت بمتابعة نقدية جيدة. وفي مقدمة كتبه السردية التي قام بترجمتها كتابه السردي الشهير «أوراق»، الذي حار النقاد في تصنيفه بين السيرة الذاتية الفكرية واعتباره رواية حداثية بامتياز تجمع بين هذين الجنسين الأدبيين في إطار تأليفي متقن الإحكام. هذا الكتاب الذي صدر حديثاً بالفرنسية، عن المركز الثقافي العربي، تحت عنوان آخر هو «دفاتر إدريس» عوض عنوانه الأول «أوراق»، كان شكل خطوة مهمة، لدى صدوره بالعربية، ضمن الحركة الروائية المغربية الحديثة وأثار كثيراً من الأسئلة حول فن الكتابة السردية عموماً والروائية خصوصاً، وجعل النقاد يختلفون حوله بين معجب به وبين متسائل حول قيمته الأدبية. وأثار أيضاً كثيراً من الجدل حين تم اختياره في المقررات التربوية المغربية ليدرس في المقرر الدراسي لأقسام البكالوريا الأدبية، وذلك تبعاً لصعوبة المواضيع التي يطرحها والتي تتناول الفلسفة والتاريخ والسينما إضافة إلى البعد الجديد للكتابة التي صيغت بها. والسؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو لماذا عاد هذا المفكر المغربي الكبير إلى ترجمة أعماله الإبداعية المكتوبة بالعربية إلى الفرنسية بعد أن قام سابقاً بترجمة أعماله الفكرية المكتوبة بالفرنسية إلى العربية لا سيما بعد أن تبين له أن الترجمات التي أنجزت لها لم تكن في المستوى الذي يريده لكتاباته؟ هل يعود ذلك إلى شعوره بأن هذه الأعمال السردية التي تتميز بالعمق الفكري تحتاج إلى مترجم كفؤ يكون متمكناً ليس فقط من اللغتين العربية والفرنسية، وإنما من المجالات الفكرية والفنية التي تطرحها هذه الأعمال؟ أم إنه أراد ترجمتها بنفسه ليفسح المجال لإمكانية إعادة كتابتها من جديد، على اعتبار أنه مؤلفها الذي يستطيع وحده فعل ذلك دون سواه؟