عمّت فرحة كبيرة في إيران عقب فوز حسن روحاني بالانتخابات. وبدأ الناس يفكّرون في التحسينات التي سيجريها الرئيس في الاقتصاد المتدهور وفي العلاقات الدولية إلى جانب التواجد بشكل أفضل في الساحات الدولية مثل الأمم المتحدّة والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهدف رفع العقوبات عن إيران. وليست هذه المهمّة سهلة على الإطلاق نظراً إلى المطالب الداخلية والضغوط الخارجية. يشكّل انتخاب روحاني بارقة أمل كبيرة للمجتمع الإيراني. فقد أعلن الرئيس المنتخب خلال المؤتمر الصحافي الأوّل الذي عقده يوم الاثنين الماضي في طهران والذي نقلته وسائل الإعلام مباشرة على الهواء إنه لم ينس الوعود التي قطعها مضيفاً: «أسأل الله أن يعطيني الشجاعة كي أتمكّن من تحقيقها. فجميع الأفعال تحتاج إلى وقت وتُرتّب بحسب الأولويات». ولن يتسلم هذا الرئيس المنتخب مهامه رسمياً قبل نهاية شهر تموز (يوليو) عقب حفل تنصيبه. وقد يحتاج إلى شهر على الأقل لتشكيل حكومته الجديدة وطرحها على البرلمان لنيل الثقة. بالتالي، لن يتسلّم روحاني مهامه الكاملة عملياً قبل شهر أيلول (سبتمبر). تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت بتساؤلات وتعليقات من العرب والبريطانيين والفرنسيين والفرس ومن عدد كبير من الأشخاص حيال التغيّرات التي ستحصل، ومتى وكيف؟ أعلن روحاني بوضوح أنّ أولويته تكمن في تقوية الاقتصاد وفي رفع بعض العقوبات المفروضة على المدى القصير على إيران، إلى جانب استكمال المفاوضات حول ملف إيران النووي واستئناف المحادثات غير المنجزة مع مجموعة الخمسة زائد واحد حول البرنامج النووي المثير للجدل. فمن أين يريد روحاني أن يبدأ؟ قد يبادر أولاً إلى مدّ يد الصداقة نحو الدول المجاورة كما شدّد مراراً خلال حملته الرئاسية وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده عقب انتخابه. ومن شأن إقامة علاقات جيدة مع الدول المجاورة مثل الإمارات العربية المتحدّة والمملكة العربية السعودية مساعدته على اعتماد ديبلوماسية عليا في المستقبل القريب وتخفيف حدّة العقوبات المفروضة على إيران. يرغب روحاني في التحدّث بلهجة وبلغة مختلفة وفي استخدام خبراته ومصداقيته من أجل بناء صورة مختلفة لإيران في المستقبل القريب. يرى المجتمع الدولي أنّ المحادثات مع مجموعة الخمسة زائد واحد وإنهاء المفاوضات المستمرة والمضنية على الملف النووي بحاجة إلى بلورة وإلى شفافية أكبر. وأشار روحاني خلال مؤتمره الصحافي إلى أنّ حكومته مستعدّة لإبداء شفافية أكبر ولأن تبرهن بأنّ أهداف برنامجها النووي هي سلمية. ويعلم الجميع جيداً أنّه لا يمكن إنهاء المفاوضات على الملف النووي ولا رفع العقوبات إلا في حال عقدت إيرانوالولاياتالمتحدة معاهدة سلام ووضعت حداً لعدائية وفتور داما 34 سنة. حاول الرئيس أحمدي نجاد كسر الجليد عدّة مرات. لقد بذل كلّ ما في وسعه ليكون أول رئيس إيراني يدمّر جدار انعدام الثقة بين البلدين فبعث برسائل عدّة إلى الرئيس بوش ومن ثمّ هنأ الرئيس أوباما على انتخابه خلال ولايته الأولى. لكنه لم يلق رداً على رسائله أو إجابة على طلبه المباشر عقد اجتماع ثنائي مع الرئيس أوباما. لم يقصد أوباما إهانة الرئيس الإيراني أو لم تكن نيته عدم لقائه. لقد تصرّف على هذا النحو بسبب شخص واحد هو أحمدي نجاد. ولم يستطع الرئيس الأميركي تجاهل الضغوط التي مارسها الجمهوريون عليه حين دعا الرئيس الإيراني إلى «محو إسرائيل من خريطة العالم». لقد زلّ لسان هذا الرجل المحافظ الذي انتُخب رئيساً لإيران عام 2005، خلال اجتماع خاص صغير حضره حشد من المحافظين المتشددين. وبهدف إرضاء الحشد الذي كان مؤلفاً من أشخاص محافظين، عاد واستخدم العبارة التي أطلقها بالأساس مؤسس الثورة الإسلامية آية الله الخميني حين كانت إيران في طليعة الدول المناهضة للغرب وفي مزاج ثوري. إلا أنه ارتكب بذلك خطأ فادحاً. لم يتمكّن نجاد بعد أن قال هذه العبارة من إنكارها أو التراجع عنها. وعلى مدى السنوات الثماني التي أمضاها أحمدي نجاد في الرئاسة، استغلت مجموعات الضغط الإسرائيلية هذا القول لجعله وإيران يبدوان كخطر داهم على أمن العالم. لقد سرق البرنامج النووي الإيراني الذي قد يخوّل الإيرانيين صناعة قنبلة لتدمير إسرائيل، النوم من عيون عدد كبير من الأشخاص. بذل برأيي أحمدي نجاد كلّ ما في وسعه خلال هذه السنوات أو أقله خلال السنوات الأربع الأخيرة لجعل العالم ينسى ما قاله ويصحح خطأه. إلا أنّ الضرر وقع أصلاً ولم تجدِ جهوده نفعاً. في ذلك اليوم المصيري، منذ ثماني سنوات، صودف وجود صحافي من وكالة إخبارية محلية صغيرة وسط الحشد. وما هي إلا دقائق قليلة حتى تصدّر الخبر الذي نقله هذا الصحافي عن نية الرئيس أحمدي نجاد تدمير إسرائيل، العناوين الرئيسة الدولية. وأخبرني أحد معاوني نجاد أنه لم يكن يعرف أن ثمة ممثل عن وسيلة إعلامية في صفوف الحشد. تلفظ الرئيس أحمدي نجاد، سواء عن وعي أو عن غير وعي، بكلمات لا يتفوّه فيها أي ديبلوماسي علناً، فدفع وإيران ثمناً باهظاً لذلك. فات الأوان على تصحيح الخطأ الذي أثار جدلية كبيرة، فلزم الرئيس الصمت مدة طويلة إلى أن سأله المراسلون الأجانب عن هدفه الحقيقي حيال إسرائيل. غير أنه لم يجب سوى بابتسامة. في ظلّ هذه الظروف، كيف يمكن أن يقبل الرئيس أوباما بالدعوة التي وجهها إليه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بالجلوس معه على طاولة واحدة؟ الولايات المتحدّة لطالما أعلنت أنها مستعدّة لإجراء محادثات مع إيران حول ملفها النووي وكل الملفات الأخرى، لكن حين وجدت أنه يستحيل لقاء الرئيس الحالي، ادّعت أنّ الشخص الوحيد المسؤول عن سياسة إيران الخارجية هو المرشد الأعلى علي خامنئي وعبّرت عن رغبتها في حوار مباشر معه. من المستحيل أن يتحاور شخص يحظى بمقام ديني رفيع مثل خامنئي مع الولايات المتحدّة بشكل مباشر. منذ أشهر قليلة، أعلن خامنئي أنه لا يصدّق أنّ دعوة الولايات المتحدّة إلى إجراء محادثات هي حقيقية إلا أنه في الوقت نفسه لا يعارضها. وأثار هذا الضوء الأخضر شكوكاً مفادها أنّ رحيل أحمدي نجاد ووصول الرئيس المنتخب الجديد إلى السلطة سيكون نافذة فرصة جديدة بين البلدين. يحظى روحاني بخبرة كبيرة اكتسبها من المناصب التي تولاها منذ نجاح الثورة الإسلامية وسيشكّل فريق عمل يتمتع بخبرة عالية لإدارة حكومته. ولا يخفى على أحد أنّه كان مقرّباً من الخميني قبل اندلاع الثورة ومن معاونه هاشمي رفسنجاني في إطار المحادثات السرية التي جرت مع الولايات المتحدّة خلال فضيحة إيران كونترا التي سميت بقضية ماكفارلين. كان روحاني وهاشمي رفسنجاني يجريان، بموافقة الخميني، محادثات سرية مع الولايات المتحدّة في الثمانينات. كما عمل روحاني الذي كان رجلاً سياسياً معتدلاً، مفاوضاً في ملف إيران النووي خلال تولي محمد خاتمي سدّة الرئاسة فيما اعتبره السياسيون الغربيون ديبلوماسياً ماهراً وذكياً. يتحلى روحاني بكل المواصفات التي يريدها آية الله خامنئي ليسلّمه إدارة المفاوضات كما أنه يحظى بتأييد كبير من الشعب. فهل يفعلها؟