أعلن الإمام القرضاوي، وهو أحد أبرز علماء العالم الإسلامي وقيادات المشيخات السنية، وأكثرهم تفاعلاً مع قضايا الأمة، خصوصاً الثورة السورية، عن مؤتمر في القاهرة لدعم الثورة السورية، وربما يُنشر هذا المقال خلال انعقاده أو بعده ومضامينه الفكرية ممتدة للقوى الشعبية العربية، خصوصاً بعد إعلان الحرب رسمياً والدخول فيها تنفيذياً من التحالف الطائفي الإيراني، مدعوماً بغطاء روسي وتفاهمات غربية، ودعم لوجستي إسرائيلي غير مسبوق، يتحول إلى هجوم منظم عسكري وسياسي وأيديولوجي يستهدف حواضر العالم السني، ويُسقط أي مساحة للتردد في تقويم الحرب العالمية على الشعب السوري وقتل إرادته وحريته عبر مذابح نازية طائفية تجاوزت كل حدود التصور. وعليه فالمؤتمر ينعقد في ظل هذه الحرب الشرسة التي لا تقبل بعرف إنساني ولا شراكة وطنية ولا مواءمة مشتركة، بل تتقاطع مركزياً مع الإرادة الإسرائيلية الغربية، وإن بقيت لها مساحة صراع أو تنافس، غير أن الحلف الطائفي الإيراني لم تمنعه هذه المنافسات من التوافق مع الجبهة الإسرائيلية، ورأينا ذلك عياناً لتصفية الثورة السورية، هنا أساس مركزي لأرضية المؤتمر، انتصار واجب وفوري للشعب السوري لتحقيق حريته وكرامته بإرادته، ومواجهة استراتيجية مع التحالف الطائفي الإيراني وتقاطعه الإسرائيلي مغيبة كلياً عن العمل الرسمي العربي، بل بعضه شريك فاعل ومحايد سلبي لدعم خطة الزحف الإيرانية. هزيمة هذا المشروع في ميدانه الأول، أي الأرض السورية، يؤسس تلقائياً للبعد الثاني وهو استراتيجية المواجهة لهذا الزحف القاتل للإنسان والكرامة والمُسقط للرسالة الإسلامية في مناطقها العربية، مستبدلاً إياها بتدين طائفي لا ينتمي لعقل راشد، ولا عقائد ربانية، ولا قيم إنسانية تؤسس عليها حضارات الأمم المتقدمة، وعليه فإن هذه المقدمة هي قواعد طرحناها كأساس فكري ومنهجي للبرنامج التنفيذي للقوى الشعبية العربية، وعلى رأسها الخطاب الإسلامي الذي لا يزال يتقدم الزخم والحضور الشعبي في الوجدان العربي، ولكن يحتاج المؤتمر لمنهجية تفكير قبل التقرير يتخطى بها حفلات الكلام والمواعظ إلى برنامج عمل نافذ لنجدة الثورة السورية التي لا تزال تمسك بمفاصل الميدان الرئيسة في مواجهة الحرب العالمية، ونلخص بعض جوانبها في الآتي: 1- هناك مساحة مطلوبة لاستمرار خطاب التضامن مع الثورة السورية ودعمها إعلامياً وجماهيرياً، لكن ذلك لا يحقق أي نسبة مقبولة من الشراكة المنهجية الفاعلة لنصرة الشعب السوري، وعليه فإن اللقاءات الجانبية المركزة هي الأهم في جدول المؤتمر، لتحقيق خطة شاملة ميدانية لإمداد وتسليح الثوار وتكثيف الإغاثة الداخلية والخارجية وتنظيمها. 2- هذه اللجان، سواءً اجتمعت في القاهرة أو أي ملتقى آخر جاد ومخلص لدعم الثورة، تحتاج للتركيز على عناصر حيوية: أ- الثورة السورية تمتلك أرضية مهيأة للدعم ومهيأة للانتصار لو تم تسليحها ونُظّم تنسيق فصائلها مع الجسم المركزي وهو الجيش السوري الحر، خصوصاً مع كتائب أحرار الشام الإسلامية والجبهة السورية الإسلامية وفصائل فرعية أُخرى، وليس بالضرورة تحقيق اندماج شامل، وإن كان هو المطلوب، لكن الثورات تنتصر بعون الله بحد مقبول من الوحدة الميدانية. ب- المرجعية السياسية للثورة، أو لإبراز برنامجها الخارجي، وهو ما تم عبر المجلس الوطني السوري والائتلاف، خطوات مهمة تحتاجها الثورة للبناء التأسيسي لدولة المستقبل ولتحييد التدخلات الخارجية المطلقة، ولمحاصرة فرص فتح أرض سورية إلى جحيم انتقالي لا يستقر، ومهمة لاجتماع الناس ولو تصارعوا سياسياً حالياً أو في المستقبل على هيكل قابل للتطوير والتغيير في المؤتمر العام بعد التحرير، كضرورة للشعب ولكل فصائل الثورة السورية المنشأ والمبنى وهو جزء من ضروريات الفقه الشرعي المقاصدي للأمة. ج- الموقف الفكري والسياسي الذي يتم عليه الحوار بين الفصائل السورية الثورية يعتمد على صورة واضحة وهي أن كل التدخلات الدولية والإقليمية لن تستطيع أن تُحدث تغييراً كبيراً ما دامت الجبهة الداخلية أقوى تنسيقاً، وأن قضية تحكيم الشريعة خلاف المحاور فيها بين تطبيق فقه محدد أو فسح المجال للرؤى الفكرية الإسلامية المؤسسة شرعياً لنظام وقانون ودستور لا يُعارض ولا ينتقص ولا ينقض التشريع الإسلامي تُجمع عليه الغالبية ويُقبل وطنياً، وهو قد يكون حتى في الفقه السلفي المحافظ خياراً مرحلياً يطرحون بعد ذلك في برامجهم السياسية رؤيتهم للدستور والحياة العامة ويتناقشون مع حلفائهم وخصومهم بعد التحرير. هذه الأرضية التي تؤسس لها مؤتمرات الدعم للخروج بأرضية توافق للفصائل الثورية الإسلامية مع الهيئات التنسيقية معاً بما فيها كتائب من جبهة النصرة، للتحضير لخطة الدعم الشاملة بعد أن يؤسس لبرنامج تنسيق بينهم وبين الجيش السوري الحر يقوده السوريون ويدعم عربياً وإسلامياً في خطة التسليح وتوزيع المعونات، مع ضرورة أن تتذكّر كل الأطراف أن المطلوب أن يتم التوافق لمرحلة التحرير وصورة التأسيس الانتقالي ويبقى لكل تصوره يخوض به مستقبل مشروعه الفكري والسياسي. حينها سيأتي السؤال المهم ما البرنامج المنهجي للدعم وما خطواته فنقول: أولاً: في جبهات الحروب الشرسة عليك أن تقبل كل جهد أو موقف جاءك مبدئياً أو مصلحياً من كل الدول العربية والإسلامية فلا تخضع لشروطها ولكن تشجعها على مساحة التقاطع وتتجنب استعداءها على الثورة على رغم كل تخاذلها، وتؤكد هدفك الحقيقي أن مساعيك للثورة داخلياً وهي لا تقبل أبداً ببرنامج القاعدة الأحمق. ثانياً: الهدف المركزي هو تمرير السلاح الثقيل ومضادات الطائرات وعتاد الثوار للداخل وتعزيز صمود المدنيين في الداخل والخارج وهو هدف بالإمكان تحقيقه عبر تنظيم التبرع الشعبي وإسهامات رجل الأعمال مع تطمينات وتواصل مع حكومات، أو بالتواصل في خطة عمل بين أنقرة وعواصم خليجية والقاهرة لذلك. هذا ممكن وليس مستحيلاً، ومسؤولية القاهرة في ظل شراكة حكم للإخوان في مصر واردة جداً عبر العمل السري ديبلوماسياً وسياسياً وأمنياً، وغير صحيح أن المطلوب منهم أو من شراكة حكم النهضة في تونس أن يعلنوا الحرب على إيران لكن المطلوب دعم سياسي يعبر به الدعم العسكري، ومن يعرف تاريخ الحروب والمواجهات يدرك أن جزءاً منها تغير عبر هذه القنوات التي لم تُفعّل في مصر، مع الأسف الشديد، بعد الثورة. هذه الخلطة مع الموقف الشجاع لجهات ليبية نافذة بالإمكان أن تمرر خلال الأشهر الثلاثة المقبلة خطة عمل نوعية عبر الحدود، وحين يدرك الأتراك أن الخطة مسؤولة ومحكمة سيدعمونها بكل تأكيد، خصوصاً بعد التهديد الإيراني الأخير لهم من داخل تركيا. هذا البرنامج ليس مطروحاً لضجيج المؤتمر ولكن لقيادات نوعية فيه وفي غيره تُدرك معنى أن تَترُك المنابر تصرخ، وأن تنطلق بكل قوتك بهدوء وثقة لمركزية التحرير السورية. * كاتب سعودي. [email protected] @mohannaalhubail