في مطلع هذه المقالة لا بد لنا من التذكير بقواعد التحليل السياسي المتغيّرة في تناول ثورة سورية التي تحولت إلى حرب أممية بين الثورة السورية وخلفها تضامن عربي إسلامي وجداني وفكري وبين محور الطائفية الإيرانية التي تتحد مع محور الرفض الإسرائيلي والغربي التاريخي لأي قوى مستقلة في سورية جديدة. وما نعنيه أنّ قواعد اللعبة تغيّرت في حسابات مسارات الحرب والصمود والتقدم الثوري المخذول كلياً أو نسبياً من الدول العربية، التي شارك بعضها في تعزيز شراكة المحورين ضد الثورة قديماً وحديثاً، التي تُعاني، أي الثورة السورية، من بعض الفوضى الخطرة في تمويل الدعم ارتكبت خطيئة تاريخية في التحول عن دعم الجسم المركزي للثوّار بقيادة الهيكل الرئيس ل «الجيش السوري الحر»، وموّلت فصائل لها حضور قتالي مميز لكن تضخيمها وزّع الجهد القيادي المهم للغاية لثبات الثورة وتقدمها، وعلى رغم كل ذلك لا تزال الثورة تحقق صموداً وتقدماً نوعياً، وبدأت مرحلة كفاح جديدة تعيد بها هيكلة الميدان وقوته الإستراتيجية. ولتوضيح أكبر نقول إن في التاريخ العالمي، وفي تجارب حركات المقاومة والثورات العربية والإسلامية واليسارية في العالم توجد هناك قوة وقيادة ومنظمة رئيسة، مهما بلغت أخطاؤها هي المحور للتغيير لمصلحة طموح الشعوب، وهي البناء المركزي الذي لا يُعوّض فقده على الإطلاق، يجب أن تبقى مركز التغيير والدعم وقيادة الحرب والثورة، وهو مبدأ ينطلق أيضاً من رؤية التوحيد وأولويات الاجتماع في فقه الشريعة الإسلامية. مشكلة بعض التمويل الشعبي الخليجي ذي التوجه الديني الغيور والمحمود في ضميره، أنه أراد أن يصنع من نفسه مرجعاً لقيادة جبهات السوريين لتوحيدهم، فدعم فصائل وقلّل، إن لم يكن امتنع كلياً عن دعم الجسم الرئيس، على رغم علاقته الجيدة معهم، في حين دعم الآخر فصائل خارج «الجيش السوري الحر» كلياً وترفضه، ثم فشل هذا الجهد المشكور لنيته ومبادرته في جمع الجبهة العسكرية، وهذا الفشل طبيعي في الرؤية السياسية والإستراتيجية. لا يُمكن أن تحّل أموالك عوضاً عن غرفة عمليات الداخل، وما كان عليك تأديته أن تدعم القوة المركزية ولا بأس ولا ضرر بل لا بّد من دعم مخزونات السلاح لجبهات المواجهة الحسّاسة أينما كانت، لكن لا يجوز أن تجعل ذاتك بديلاً ثم تدعوهم للتوحد ببرنامج تنفيذي تقوده أنت من الخليج ومن حسابك في «تويتر»، أو مجالسك الخاصة، أو زيارتك للميدان، على رغم تفانيك وتطوعك الرائع... لأنك لست مهيئاً لذلك كطبيعة للثورة ولحركة استقلال وامتدادات الداخل السوري. ولقد أثبتت الأيام والأسابيع الصعبة خطورة إضعاف الجسم المركزي، وهو «الجيش السوري الحر» وألويته الرئيسة وأركانه وهو القادر، على رغم أي اجتهاد أو خلافات، لقيادة مرحلة الحسم مع حلفائه ومع الفصائل المخالفة له في خطة تنسيق مركزية تؤسس لخطة التموضع الجديد المقبل وتعزيز الصمود ثم بدء خطة الزحف من جديد. من هنا، تعني خلاصة ما قدمناه الآتي أن جبهة الحرب تغيّرت شراستها وعدوانيتها، فقراءة الانتصار والصمود المرحلي للثوار تعني الكثير وفقاً لقواعد اللعبة، ثانياً أن الثورة في حاجة ضرورية للمخرج الثوري الذي بدأت تختطها ولكن تحتاج دعماً وإسناداً موحداً من كل أنصار الثورة أو ذوي القدرة على التمويل المالي الشعبي. إن كان الرسمي الخليجي لا يزال يدور في حلقة تدوير الدعم الممنهج لأسباب سياسية دولية، أو انسحبت خشيةً من تهديدات الغرب لها لو أقدمت على تسليح نوعي، وإن كانت قناعتنا أن هذا التهديد لن يصل لمفاصل مؤثرة تضر بهذه الدولة أو تلك، بل إن المبادرة بالدعم سيعزز تعجيله ويعود الغرب لمحاولة التواصل مع الطرف العربي لتحقيق توازن مقبول لا مشروط مع الثورة الحاكمة مستقبلاً. لكن حين يكون الطرف العربي يدير مصالحه وتقاطعاته المشتركة مع مصلحة الشعب السوري، وليس حين ينكفئ عن الدعم ويخضع لشروط الغرب، حينها سيستقبل واقعه المرير في أرض الخليج العربي لا في سوية. المهم الآن أن يلتقط الدعم الشعبي العربي الرسالة ويعزز خطة دعمه وينظمها، وعلى «إخوان» مصر تحدٍ تاريخي يثبت صدقية بيانهم الأخير بتعديل خط الديبلوماسية المصرية، الذي اخترقه الروس والإيرانيون، وتقديم مبادرة نوعية بالتنسيق مع أنقرة لتمرير الدعم الاستراتيجي. ليس بالضرورة أن يكون علنياً وإلا سيبقى بيانهم حبراً على ورق، ولو لاحظنا خطة المحور المعادي للثورة فقد اعتمد على تعزيز جبهة موحدة تنسق لقيادة حزب إيران اللبناني في هجومها على القصير بدعم لوجستي من تل أبيب – غطاء لنقل المعدات الثقيلة وآلاف المقاتلين من الجنوب إلى الداخل السوري - وحكومة المالكي التي توسعت في دعم النظام مصداقاً لقول أحد الباحثين إن المالكي تلقى ضوءاً أخضر من واشنطن لزيادة دعم خطة النظام لكسر حصاره، الذي يؤكده اتصال نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الذي حرض على عشائر العراق الثورية، هذه الخلاصة تعني تعزيز إستراتيجية المحور الشاملة في قيادة الحرب على سورية الحرة، فماذا عن أنصار الثورة؟ هذا ما نؤكد على ضرورته. الهزائم التاريخية التي تعرض لها حزب إيران اللبناني في القصير، وتوجهه لفتح جبهة في طرطوس، بعد إمطار جنائز مقاتليه الضاحية الجنوبية واستعادة «الجيش السوري الحر المبادرة» في أكثر من موقع، على رغم كل الزخم الذي عمل التحالف العالمي على خلقه تهيئةً لمؤتمر «جنيف - 2»، ورغبته الجامحة في كسر إرادة الثورة، يؤكد قوة الجبهة الداخلية للثوار وتماسك الميدان بيدهم. وأن كل ضجيج موسكووواشنطن لاختراق الثورة لن يحقق أي فعل كبير ما دام الميدان بأيديهم، وكل حديث واشنطن والغرب عن التسليح أخيراً لا يوجد له أي صدقية، فالموقف على الأرض ثابت، لكن الرسالة الكبرى أيضاً أن تنظيم صفوف الثوار والتسليم الكلي أو التنسيقي للقيادة المركزية للثورة في «الجيش الحر» هو المخرج الثوري الأكبر لا لهزيمة حزب إيران اللبناني وحسب، بحكم أنه رأس حربة اليوم ضدهم في الجبهات الساخنة، بل لهزيمة المحور العالمي الجديد وإنقاذ الشعب من براثن الإرهاب الطائفي النازي والوفاء لبلاط الشهداء المجيد، وهي مسؤولية ممتدة إلى كل قادر لدعم معركة الوجود العربي، التي تهتف كل أرضها أنها ليست معركة حدود لحزب إيران، ولا محور العداء لسورية، بل هي معركة وجود لمشروع الهيمنة التاريخي وولادة العهد السوري. * كاتب سعودي