تبدو المعركة التي تخوضها الثورة السورية اليوم في أوج مواجهتها لقوى الحصار العالمية والاقليمية وفي ذات الوقت برزت قوة تحدي الثورة وإصرارها الذي يبدو أسطوريا أمام شراسة الحرب وقذارة التحالفات التي توازي تحالفات حرب عالمية تُشن على طلائع ثورية أطلقها الشعب في ربيع دمشق مارس آذار 2011 ولا تزال في برنامج صمود , تعتبر فيه معركة القصير وكأنها موقع لمحور حرب عالمية لإخضاع الشرق واستقلاله العربي الإسلامي الذي لم تعهده المنطقة منذ سايكس بيكو . حفلة الانتشاء بسقوط القصير من التحالف الطائفي الإيراني كان مداراً وجودياً يراهن عليه التحالف وحزبه وليس حسما مطلقا في مواجهة الثورة بالتحليل الاستراتيجي خاصة في ظل وجود عمليات كر وفر للجيش الحر وهو ما تكرر في معرة النعمان سابقا واعتبر دخول النظام اليها خارج إطار الحسم للاستنزاف الذي شكلته عمليات الثوار للنظام وهو ما قد يتكرر في القصير, وما يهمنا هو الدور الذي شكّله الحضور العسكري للحزب في القصير ثم في مُدن أخرى للتأسيس لعهدة جديدة من التوافقات , غطت عبرها تل أبيب لوجستيا حرب الحزب بتأمين نقل عتاده ورجاله من حدود فلسطينالمحتلة الى الداخل السوري , في أجواء تسعى للتحضير بشراسة لمؤتمر جنيف ودفع واقع الثورة السورية الى انهيار في جبهات أولها القصير ليتم خلاله هذا الاحتفاء بالتقدم المزيف , وتدشين الانقلاب السياسي على الثورة , وهذا ما يفسّر حماس النظام لمؤتمر جنيف . من هنا نعرف كي خاضت الثورة وتخوض معركة تواجه حربا عالمية كما قدمنا باعتبار أن ما بعد كسر القصير يعني الكثير للمحور العالمي الإقليمي الذي استدرج عدداً من الدول العربية , بعد أن حيّد دولاً أخرى وانتقلت من أحاديث الدعم المؤجل الى شكوى دول تدعم الثورة السورية أكبر من غيرها , وعليه ففهم هذا الصمود في الميدان وعودة زمام المبادرة لقيادة المعركة للجيش السوري الحر مهمة جداً في هذه المرحلة حتى ولو كانت في سياق المحافظة على نسبة التقدم المركزي في ميدان الحرب بين الشعب والنظام , أي استمرار الهيمنة الرئيسية في محاور القطر السوري للجيش الحر , وإيقاف قوات حزب إيران اللبناني عند خطوط تماس ومحاور الجبهات , وهذا يعني الكثير في لعبة عض الأصابع التي تتفوق فيها الثورة السورية , إن التحالف العالمي الجديد بين الروس وإيران من جهة والغرب وإسرائيل من جهة أُخرى يحمل في طيّاته تناقضات رئيسية , لم يمنعها التوحد للعمل على هزيمة الثورة عسكريا أو قهقرتها لإعادة ترتيب سوريا جديدة, تتقاطع مقاييسها بين تل أبيب وطهران ومن ورائهم بكين وموسكو وواشنطن وباريس, ثم تدار حرب التنافس على مساحة الخصم . لكن ذلك كله ووفقاً لمعايير دقيقة تصل إلى منطقة الخليج العربي ومنها انفجار مركز الخليج النفطي بسعار طائفي أو فوضى دموية , ومنها تفتت معادلة جبهة الجولان وجنوب لبنان كلياً وعودة تشطير أو تجميع ميادين أو محاور المشرق العربي في واقع مختلف عن تاريخ تشكيل المنطقة العربية منذ سايكس بيكو وهو ما تخشى من آثاره واشنطن , ولتفصيل هذه المسألة نقول , إن هناك مساحة لقبول أو دفع الغرب لمزيد من التشظي في منطقة المشرق العربي كحروب طائفية عابرة كما جرى لعرقلة انتصار المقاومة العراقية, لكن الغرب لم يعد يضمن قدرته على ضبط ميدان الفوضى الخلاّقة حتى مع خدمة الايرانيين وبعض مخابرات لدول عربية اضافة لتل أبيب , وهنا تبرز لنا ساعة الزمن الامريكية ليس حرصاً على دماء السوريين ولكن اضطراباً من تداعيات كبرى قد تؤثر على حديقة الغرب الخلفية في سلة الخليج وبعث المشرق العربي . من هنا نفهم حركة الضغط الشديدة التي مارسها ضباط من الجيش الأمريكي والسي آي أي على ضباط منشقين من الجيش السوري لتحويلهم الى مفارز ميدانية لقصف مواقع لجبهة النصرة وبعض مفارز الجيش السوري الحر التي تخشى منها واشنطن استراتيجيا . وأضف الى ذلك التواصل الفرنسي الإيراني مع انسحاب دول دعم اعلامي عربية من موقف الراعي بالوعود لدعم الثورة, ورفض الجيش السوري الحر فتح أي ثغرة لقصف جبهة النصرة رغم اختراق القاعدة الخطير لبعض كتائب النصرة , وهو ما حمل واشنطن على الضغط المباشر , والحقيقة أن الموقف لا يستهدف جبهة النصرة ولكن ايقاف تقدم الثورة ومساعدة القوى الايرانية على صدها , للعبور الى التوافقات السرية الكبرى , وبالجملة يعيش هذا العهد السوري مرحلة حرجة جداً وسيضمن صمود الثوار وتنسيقهم وتحييد تدخل القاعدة مدار عبور مهم لمستقبل الثورة وانعطاف انتصارها الرئيسي . والضجيج حول إسرائيل دفاعاً عنها أو مزايدةً على مقاومتها لا يغير حقيقة وجودها العدواني تاريخيا ككيان غاصب ومحتل , لكن المعركة الأصلية الاستراتيجية هي تأمين ميلاد قوة المشرق العربي الجديد , الذي تختطه الثورة السورية ويخشى الغرب منه كثيرا بل واستراتيجيا أكبر من أي شيء آخر فميلاد سوريا الجديدة المحررة المستقلة عبر معركة فدائية يعني بالضرورة , تأسيس العهد الجديد للمشرق العربي والشرق الإسلامي المحاصر , خارج إطار المعادلة بين القوى العالمية والإقليمية التي يُرعبها بكل تأكيد نقض كامل اللعبة وعودة المشهد بقواعد جديدة ينحسر فيها نفوذ الغرب وايران وتبدأ جدولة الوجود الإسرائيلي في قبضة الشرق الإسلامي, وهو الهدف المركزي للغربي والإسرائيلي ولو ذهب الأمن الخليجي للجحيم.