سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الهجوم الأمريكي على الثورة والحسابات الخليجية النقطة المهمة جدا للملف الأمني للخليج العربي، أن إيران أضحت تتقدم بجرأة نحو تثوير كلي لمحطات إقليمية عديدة..
الهجوم الشرس على الثورة السورية الذي صدر من كلينتون، بعد مواقف غربية عديدة مماثلة، لم يكن إلاّ إعلان نوايا فقط، حيث كان هذا الموقف هو دعامة التفكير الإستراتيجي لواشنطن، وهو الخشية على مستقبل إسرائيل من الثورة السورية، وقد سبق أن قال المفكر الغربي الكبير نعومي شومسكي بأن روسيا تنفذ الخطة الأمريكية، فتخدمها باقتدار، وتساعد دورها المنافق. وكان الثوار قد رصدوا ذلك فأطلقوا جمعة 19 أكتوبر الماضي باسم -أمريكا ألم يشبع حقدك من دمائنا- الذي كان إعلانًا مركزيًّا عن حقيقة تاريخية أدركها المراقبون بأن كل ضجيج واشنطن وحديثها عن وحشية نظام الأسد، بما فيها حلقات الجدل بين مرشحي الرئاسة لم تكن إلاّ إثارةً إعلامية، فيما كان القلق والفزع الإسرائيلي من الثورة السورية هو محرك المواقف العملية للغرب التي تحوّلت لبرنامج تنفيذي تُلقي واشنطن وباريس ولندن فيه كل ثقلها للتركيز على المسار الرئيس للحسم، وهو منع تسليح الثورة السورية، وسواءً كان ذلك لمنح مساحة للمحور الإيراني الروسي في المرحلة الأولى من الثورة لتصفيتها، أو كان ذلك لتكثيف فُرص آليات النظام لتحقيق أكبر مساحة من التدمير والقتل الوحشي لحواضن الثورة الشعبية؛ لإنهاكها قبل حسمها ووصولها للحكم المركزي الذي يزعج الأمن القومي لإسرائيل بشدة، ويثير الغرب، رغم إعلان الثورة أنها الآن في مرحلة بناء دولة حقوقية لحرية الشعب وكرامته. هذا المسار أكده مجددًا في مطلع هذا الشهر أمين حلف الناتو في تصريح صريح ومباشر، أكد فيه رفض تسليح الجيش السوري الحر، لكنّ القضية لم تكن تصريحًا بل تهديد واشنطن للخليج، وتحذير شديد لأنقرة، وإن كانت الأخيرة لم تستجب لهذا التحذير، لكنها طلبت أن يتقدم الغطاء العربي بوضوح نحو تسليح الثورة السورية من خلال حدودها، ولكن التراجع العربي الكبير الذي شكا منه الأتراك عزز التدخل العسكري الأجنبي من إيران وميلشياتها المتعددة، ورغم كل هذه الدوائر من الحصار الدولي، وتشديده إلاّ أن الثورة فاجأت المشهد بنوعية متقدمة من الاختراق واكتسحت قيادة توجيه الفعل الإستراتيجي في الميدان، بمعنى أنّ كل جهود المعسكر الدولي وتقاطعه الإيراني بات فاشلاً في خطة محاصرة الثورة، أو إنهاكها للحد المطلوب في تقديرهم. والنقطة المهمة جدًّا للملف الأمني للخليج العربي، أن إيران أضحت تتقدم بجرأة نحو تثوير كلي لمحطات إقليمية عديدة، تستغل هذه الفترة فتعزز تحريك فروعها في العراق ولبنان، في حين تُبعثر المشهد عبر منظوماتها الأُخرى برسائل فوضى واسعة للمنطقة لن يكون آخرها اغتيال وسام الحسن رئيس فرع المعلومات المتخصص بالشبكات الإسرائيلية والإيرانية، مع نجاح نوعي لطهران ضمنت فيه إيران دعم اختراق دولة خليجية تدعم مشروعها في سوريا. هذه الرسائل لنتائج استثمار إيران لمرحلة التراجع العربي عن دعم الثورة أضحت تُقلق بشدة الرياضوالدوحة، وتركيا أيضًا وصلتها هذه الرسائل الإيرانية المؤثرة عليها داخليًّا، والمفارقة هنا أن الثورة السورية التي ليس لديها مساحة دعم، وأضحت تلتصق بشعارها -ما لنا غيرك يا الله-، باتت في وضع إستراتيجي تغلبت فيه على ظروف حصارها والحرب الإيرانية عليها، غير أنّها تشكو من أن النظام يتغول في دماء المدنيين، وتطلب التسليح العربي لوقف هذا النزف، وحسم الثورة لتأمين انتقال مستقر ومدني لدولة الثورة الجديدة. في حين باتت حسابات الرياض، وكذلك الدوحة قلقة وهي التي أضحت تقرأ التهديدات الإيرانية التي تُرسل من المركز، أو فرعي لبنان والعراق ومؤيديها في الخليج العربي بوعي إستراتيجي يتجاوز ضجيج الكلام، هنا بات التنسيق السعودي القطري أمام مواجهة الحقيقة، وهي أنّ التجاوب مع تحذير واشنطن لم يكن يخدم مصالحهم، وهو ما كان يعيه ويحذر منه وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، الذي يقضي فترة نقاهة لظرفه الصحي، هذه المعادلة الأمنية الصعبة أضحت على طاولة التنسيق، والمدار الذي ستفيد منه العاصمتان، وتستفيد منه الثورة، يعتمد على التعامل بوضوح وصراحة مع القيادة الشرعية التنسيقية للجيش السوري الحر، خاصة بعد فشل كل مشروعات واشنطن وباريس للتسويق لشخصيات أو مشروعات مقربة منها، وهي لا تحمل إلاّ أرقامًا من الوهم على ساحة المعركة. والرسالة التي أرسلها الجيش السوري الحر للوسطاء العرب بشأن رفضه لمشروع الجيش الوطني، أو أي توافق فرنسي وأمريكي على مشروع محدد خارج قوة الثوار وقيادتهم المركزية تضمنت تصورًا واضحًا أمام الطرف العربي والتركي بتعهد كل قيادات الثورة وأركانها، بما فيها التوجه السلفي المحلي، بمشروع دولة مستقلة لا فوضوية تؤمّن الشعب، وتُهيئ لتأسيس الدولة المدنية، وحماية الطوائف بالمرجعية الطبيعية التي يختارها الشعب، والتي نرجو أن تعكسها نتائج مؤتمر الدوحة لتنطلق مرحلة دعم مركزي مطلوب بشدة للشعب الذبيح، وهو تسليح الجيش الحر نوعيًّا، هذه هي الضمانة -بإذن الله- لتحقيق المصلحة السورية والعربية. [email protected]