في المؤتمر الصحافي الذي عقده أمين الجامعة العربية ووزير خارجية مصر، بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب اجتماعاً استثنائياً مخصصاً للملف السوري، قال نبيل العربي إن المجلس استمع إلى المعارض السوري هيثم المالح الموفد من معاذ الخطيب، وأخذ علماً بالورقة التي أرسلها المعارض ميشيل كيلو. قبل ذلك، وقبل ساعات من إعلان «حزب الله» والنظام عن سقوط القصير، كان الخطيب قد نشر في صفحته على «الفايسبوك» رد العربي على رسالته لمؤتمر وزراء الخارجية العرب، والتي يستهلها ب «الأخ الكريم الشيخ أحمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية». في مساء اليوم نفسه، أي مساء 5 حزيران (يونيو)، كان المعارض جورج صبرا يلقي بيان الائتلاف عن سقوط القصير، بصفته رئيس الائتلاف بالوكالة منذ قبول استقالة الخطيب! في المؤتمر الصحافي أيضاً، سئل العربي عن سبب عدم تسلم الائتلاف مقعد سورية في الجامعة على رغم قرار القمة في هذا الخصوص، فأجاب بأن تسليم المقعد مشروط بتشكيل الحكومة الموقتة، ما يعيد إلى الأذهان وجود رئيس للحكومة الموقتة لم يُعرف مصيره حتى الآن، مثلما لا يُعرف مصير الحكومة إياها على وقع التحضيرات المرتقبة لجنيف2. أما كيف يكون المالح موفداً من الخطيب وبأية صفة، ولماذا يرسل كيلو رسالة منفصلة عن الائتلاف على رغم انضمامه إليه قبل أسبوع، وأين الائتلاف من الاجتماع الوزاري؟ فأسئلة لم يطرحها الصحافيون، ولم يتوقف عندها الناشطون الذين انشغلوا بمتابعة التطورات الميدانية في القصير. بينما كانت القصير تعاني تشديد الخناق، كان أعضاء الائتلاف منشغلين بخلافاتهم حول توسيعه، ما اضطرهم إلى تمديد اجتماعهم في اسطنبول أسبوعاً بدل ثلاثة أيام، ولم تحظَ المدينة المحاصرة والمنكوبة بلجنة طوارئ فعلية يشكلها الائتلاف لدعم صمودها أو لمساعدة الأهالي في حال سقوطها. الاتصالات اللبنانية التي أجراها رئيس الائتلاف بالوكالة كانت معروفة النتائج مسبقاً، والتعويل على موقف دولي يردع «حزب الله» كان أيضاً بلا طائل، وفي وسع أي متابع تقدير ذلك وعدم وجود خيار سوى الاعتماد على الإمكانات الذاتية لحماية المدنيين، ما لم يساهم الائتلاف في دعمه كما تبين لاحقاً من تصريحات ناشطي القصير. لذا كان بيان الائتلاف عن سقوطها إنشاء وحماسة، يعزف على الوتر نفسه من مناشدة القوى العربية والدولية، ويضمر بخاصة تنصل الائتلاف من أية مسؤولية. من الوجاهة القول بأن سقوط القصير ليس خاتمة الثورة، فهذه الخلاصة إن صحّت تُحسب أولاً للناشطين الميدانيين، عسكريين وسلميين. غير أن تردادها من قادة المعارضة يجعلها أشبه باللازمة التي كررتها الأنظمة الديكتاتورية غداة هزيمة حزيران 1967، ما لم تكن مشفوعة بتحمل المسؤولية السياسية الكاملة، والتي قد تتطلب استقالات من العمل السياسي وإعادة هيكلة للأطر القائمة، أو تفعيل ديناميات جديدة قادرة على تفعيل هيكلية الائتلاف بما أنه حاز اعترافاً دولياً كممثل للثورة. في صفحته على «الفايسبوك» كتب برهان غليون، أحد الوجوه البارزة في المجلس الوطني والائتلاف: «خطأ أن نتصرف بأسلحة محدودة كجيش نظامي؛ ينبغي أن يستمر الجيش الحر في تعقب الميليشيات ونصب كمائن وفخاخ لها، وأعتقد أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تطور إستراتيجية الثورة السورية بعد أن أصبح التدخل الإيراني- العراقي- اللبناني بدعم من الروس حقيقة واقعة». ثم يستدرك على صفحته بعد ساعات: «يكفي تحطيماً للمعنويات، ويكفي تحويل المعارضة لكبش فداء. ليست للمعارضة على رغم بؤسها أي علاقة بالانسحاب العملياتي من القصير... والمعارضة لا دخل لها بتنظيم القتال في الجبهات». كلام غليون الذي أتى في المرتين يوم سقوط القصير يحتمل الكثير من الصحة، والرجل من الشخصيات الرزينة في المعارضة ولم تطاوله الاتهامات التي كيلت لآخرين، إلا أن اعتباره نقد المعارضة تحطيماً للمعنويات، وتبرئتها من المسؤولية بدعوى عدم تدخلها بتنظيم القتال، فيبدو بعيداً عن الروح النقدية التي طالما عُرف بها كمفكّر. وعندما تأتي هذه التبريرات من شخصية بوزن غليون الفكري فهي تعبّد الطريق لآخرين في موقع المسؤولية ليستمروا على الأداء السياسي المتهافت الذي واكب سقوط القصير، والذي قد يواكب سقوط مناطق أخرى. أثناء القصف والهجوم الضاريين اللذين تعرضت لهما القصير، كان أعضاء من المعارضة السورية يخوضون معركة ضارية لتقاسم الحصص في الائتلاف، وكان معارض بارز هو ميشيل كيلو يُنذر الائتلاف بفضح الأسرار ما لم تُقبل اقتراحاته للتوسعة، الأمر الذي سبقه إليه رئيس الائتلاف السابق أحمد معاذ الخطيب الذي يلوّح بين الفينة والأخرى بوجود أسرار خطيرة ضمن الائتلاف يستنكف عن إفشائها! فضلاً عن ذلك، يعلم الجميع الحيرة التي كانت متفشية في اجتماعات الائتلاف إزاء المشاركة في جنيف2، ما أوجد الخشية لدى بعض الكتائب المقاتلة من افتراق المستوى السياسي عن المستوى العسكري للثورة، وحتى التضحية بالمستوى الأخير لمصلحة فرض صفقة غير مقبولة ميدانياً. وإذا صحّ القول بعدم تأثير ما كان يجري في اسطنبول في المجريات الميدانية في القصير فهو ينبغي ألا يصحّ على المستوى الكلي للمعركة، وإلا عنى ذلك انفصالاً تاماً للمعارضة عن الواقع، ولا يجوز لها تالياً التفاوض نيابة عن الثورة. ثم إن الخلافات التي عصفت بالائتلاف على أرضية توسيعه، واستمرار الاجتماعات لأسبوع بلا اتفاق على الرئيس الجديد، مؤشران سلبيان على الأداء المتوقع له. فإذا كان الاتفاق من قبل صعباً بين عدد أقل من الأعضاء، من المرجح أن يزداد صعوبة مع الوافدين الجدد، ما سيفسح المجال أمام تقاذف الاتهامات والتنصل من المسؤوليات بحجة العراقيل التي تضعها الكتل المتنافسة أمام بعضها بعضاً. تستحق القصير كبش فداء على المستوى السياسي، لا على طريقة تبرئة الآخرين من مسؤولياتهم وإنما لأجل أن يتحمل كل طرف مسؤولياته الآن ومستقبلاً، وما لم تبادر المعارضة إلى إعادة النظر في أدائها ستكون أقرب إلى تمثّل النظام الذي تدعي أنها على الضدّ منه، وفي أحسن الأحوال سينطبق عليها المثل الشامي الذي يدل على الانفصال عن الواقع: «العرس في دوما والطبل في حرستا». أو ربما في نسخة مستحدثة: «العرس في سورية والطبل في جنيف».