توجّه ملايين الإيرانيين إلى مراكز الاقتراع أمس، لانتخاب رئيس جديد خلفاً لمحمود أحمدي نجاد. وتشهد المعركة تنافساً بين المرشح المعتدل حسن روحاني الذي استقطب إصلاحيين، وخمسة مرشحين أصوليين، بينهم شخصيات بارزة في النظام. وثمة حوالى 50.5 مليون ناخب، بينهم 1.6 مليون سيقترعون للمرة الأولى، بعد بلوغهم 18 سنة. مراكز الاقتراع التي فتحت أبوابها عند الثامنة صباحاً، تستقبل المصوّتين لعشر ساعات، لكن وزير الداخلية مصطفى محمد نجار أعلن تمديد الاقتراع، بسبب «الإقبال الضخم للناخبين». ولحسم المعركة من الدورة الأولى، على المرشح نيل غالبية بسيطة (50 في المئة من الأصوات زائداً واحداً)، وإلا نُظمت دورة ثانية في 21 الشهر الجاري بين المرشحَين اللذين نالا أعلى نسبة من الأصوات. ويُتوقع صدور النتائج اليوم، على أن يتسلّم الرئيس العتيد منصبه في آب (أغسطس) المقبل. سجّل 686 شخصاً أسماءهم لخوض الانتخابات، لكن مجلس صيانة الدستور صادق على أهلية ثمانية منهم فقط، مقصياً رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، واسفنديار رحيم مشائي، أبرز مستشاري الرئيس محمود أحمدي نجاد. وانسحب مرشحان، هما الرئيس السابق لمجلس الشورى (البرلمان) غلام علي حداد عادل، ومحمد رضا عارف، النائب السابق للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، فبقي ستة هم: رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام حسن روحاني، ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف، وسكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، ووزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي، وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، ووزير الاتصالات السابق محمد غرضي. ويمثّل روحاني تياراً معتدلاً، في مقابل خمسة أصوليين. وتتزامن انتخابات الرئاسة مع انتخابات محلية وبلدية، لشغل نحو 170 مقعداً، يخوضها حوالى 350 ألف شخص. والرئيس العتيد سيكون السابع بعد الثورة عام 1979، إثر أبو الحسن بني صدر (1980-1981) ومحمد علي رجائي (آب 1981 قبل اغتياله) وعلي خامنئي (1981-1989) وهاشمي رفسنجاني (1989-1997) ومحمد خاتمي (1997-2005) ومحمود أحمدي نجاد (2005-2013). ونفى سكرتير لجنة الانتخابات صولت مرتضوي أنباء عن منع مندوبين لمرشحين، من دخول مراكز الاقتراع، فيما تحدث نجار عن انتهاكات محدودة، مؤكداً أن الوزارة تحقق فيها. ودعا الصحافيين إلى زيارة كل مراكز الاقتراع، والإبلاغ عن أي انتهاك. أما الناطق باسم مجلس صيانة الدستور عباس علي كدخدائي فأشار إلى أن «بعض مندوبي المرشحين طرحوا قضايا جزئية، تمت معالجتها». وكانت لجنة الانتخابات أمرت مسؤولي مراكز الاقتراع بمحو اسمَي عارف وحداد عادل من أوراق التصويت، بعدما قدّمت حملة روحاني إلى مجلس صيانة الدستور شكوى في هذا الصدد. وأدلى مسؤولون بارزون ومراجع دين، بأصواتهم في الانتخابات، بينهم المرشد علي خامنئي ورفسنجاني وخاتمي ورئيس مجلس الخبراء محمد رضا مهدوي كني، وعضو المجلس محمد تقي مصباح يزدي، وحسن الخميني حفيد الإمام الخميني ورئيس البرلمان علي لاريجاني وشقيقه صادق، رئيس القضاء. ونقلت وكالة «مهر» عن فاطمة رفسنجاني، ابنة الرئيس السابق، تصويتها لروحاني، قائلة: «على المرشحين التحلّي بردّ فعل منطقي على النتائج». خامنئي وأعلن خامنئي أنه لم يبلغ أحداً بالمرشح الذي اقترع له، مضيفاً بعدما أدلى بصوته: «بين المرشحين، كان في ذهني واحد اخترته. حتى القريبين مني، مثل عائلتي وأولادي، لا يعرفون لمَنْ أعطيتُ صوتي». وحضّ الشعب على «المشاركة في الانتخابات، وأن يعلم أن مصير البلاد في يديه»، مضيفاً أن «ازدهار البلاد وسعادتها يتوقفان على اختياركم الشخص الصالح». وزاد أن «الأعداء يحاولون ردع الناخبين عن التصويت وإحباط عزيمتهم»، منبهاً مسؤولي تنظيم الاقتراع إلى أن «صوت الشعب أمانة، والانتخاب حق شرعي له». وسخر خامنئي من شكوك غربية في صدقية الانتخابات، قائلاً: «سمعتُ أن احدهم في مجلس الأمن القومي الأميركي قال: لا نعترف بالانتخابات في ايران. ليذهب إلى الجحيم، والشعب الإيراني لا ينتظر ما تعترفون به، بل يقرر مصيره بذاته». أما رفسنجاني فحضّ على «تجنّب الخلافات، وهي سموم». وأضاف بعد إدلائه بصوته: «أدعو الله إلى أن يتقرّر مصير جيد للشعب والبلاد والثورة، وأن تؤدي نتيجة الانتخابات إلى تلاحم وطني، إذ أنه شرط ضروري لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية وتسوية المشكلات». وأعرب خاتمي عن أمله بأن تكون نتيجة الانتخابات «لمصلحة البلاد والشعب»، فيما رأى علي لاريجاني أن «ظروف البلاد تتطلب الاختيار بدقة وانتخاب شخص يستطيع تسوية المشكلات والتأثير إيجاباً في القضايا الدولية». واعتبر سكرتير مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي أن «أصوات الشعب تحطم العدو، وأصابع المصوّتين ستكون شوكة في عيون أميركا وإسرائيل». وأضاف: «نضمن سلامة أصوات الشعب، وعلى المرشح الفائز أن يخدم بإخلاص ويتجنّب الألاعيب السياسية. نواجه مشكلات يجب حلّها». ووجّه نجاد رسالة إلى «الشعب الإيراني الواعي والثوري»، داعياً إلى «المشاركة الحماسية في الانتخابات» ومواجهة «شياطين يسعون إلى وضع عراقيل أمام طريقه المشرق وحركته الصانعة للتاريخ». وأضاف في إشارة إلى ولايتيه الرئاسيتين: «بعد ثماني سنوات من الجهود الدؤوبة التي أثمرت منجزات خالدة وتثير فخراً، سنشهد (أمس) يوم اتخاذ القرار لبدء مرحلة جديدة». وأعرب بعد إدلائه بصوته، عن ثقته بأن «الشعب الإيراني يعي كيف يتخذ القرار وكيف يختار». أما وزير الخارجية علي أكبر صالحي فاعتبر أن «إقبال الشعب على صناديق الاقتراع، يُعدّ ضماناً للاستقلال السياسي والأمن الداخلي» في ايران. وشدّد مصباح يزدي على أن المشاركة الواسعة للشعب في الانتخابات «واجب ديني يعزّز مكانة الجمهورية بين دول العالم، ويٌعدّ نصراً قيّماً أمام جبهة الاستكبار العالمي». أما رجل الدين المتشدد أحمد خاتمي فرأى أن «المشاركة الواسعة في الانتخابات تمثّل صمود الشعب وممانعته، في مواجهة التهديدات الغربية»، مضيفاً: «لا بد للغرب أن يتراجع أمام الشعب الإيراني». وشدّد على أن «المقاومة هي الحلّ الوحيد للمشكلات الاقتصادية». المرشحون وأعرب روحاني عن أمله بمشاركة «جميع الناخبين، لتحقيق ملحمة سياسية»، وخاطبهم بعد إدلائه بصوته، قائلاً: «لا تفكروا أنكم ستسوّون أي مشكلة، إذا امتنعتم عن الانتخاب، بل ذلك يعني أن لا رأي لكم. هذا مستقبل الأمة. اختاروا من يستطيع تلبية الحدّ الأدنى من مطالب الشعب». وشدّد على «كذب الإشاعات التي تفيد باختيار الرئيس. الرئيس يُنتخب بأصوات الناخبين»، وزاد: «إذا نجح الشعب في صنع ملحمة، سيكون السبت يوم نصر للشعب، لا لمرشح». وحضّ أنصاره على الالتزام ب «أجواء عقلانية»، داعياً الجميع إلى «دعم الفائز». واعتبر قاليباف أن من ينتخبه الشعب سيكون «الأفضل»، داعياً إلى «احترام أصوات الشعب، إذ أن رأيه بمثابة القانون». وأشار إلى أن الفائز «سيحظى بدعم الجميع وحمايتهم». أما ولايتي فطلب من «جميع الإيرانيين الاقتراع، لأن أصواتهم تجديد لدعمهم الجمهورية»، فيما شدّد جليلي على وجوب «احترام الرئيس الذي سيختاره الشعب، ومساعدته في مهمته». واعتبر أن «صنع ملحمة سياسية لا يكتمل إلا باحترام رأي الشعب». ولفت رضائي إلى أن «التقلبات الضخمة في الوضع المعيشي، يجب ألا تحول دون مشاركة الشعب في الانتخابات، ليقرر مصيره»، مضيفاً: «سأشكر الله، أياً تكن نتيجة» الاقتراع. ورأى غرضي أن «الشعب هو الفائز في الانتخابات». وشدّد حداد عادل بعد إدلائه بصوته، على أنه انسحب من السباق الانتخابي ب «دافع مصلحة البلاد»، فيما رجّح عارف «مشاركة نسبتها 70 في المئة»، وتوقّع «تنظيم دورة ثانية». وقال بعد إدلائه بصوته انه انسحب «ليُتاح للشعب أن يقرر بسهولة أكبر»، لافتاً إلى انه اقترع «لمصلحة الجمهورية». إلى ذلك، ذكّر أحمد شهيد، المقرر الدولي الخاص حول وضع حقوق الإنسان في ايران، برفض «قبول عدد ضخم من المرشحين، لأسباب لم تكن شفافة وبدت غير منطقية بتاتاً، تنتهك حق المشاركة السياسية». وأضاف: «لم يتمكّن ساسة بارزون من خوض الانتخابات، ومُنعت أحزاب، كما يُعتقل قادة سابقون، وكل ذلك يؤدي إلى نقص فرص تنظيم انتخابات حرة ونزيهة».