ودّع الوسط الثقافي الخليجي والعربي، القاص والروائي والناقد البحريني عبدالله خليفة، الذي وافته المنية الثلثاء الماضي. وكان الراحل رفد المكتبة الخليجية بنتاج غزير ومتنوع، استلهم مضامينه من مفردات بيئته وموروثه المحلي والعربي، مشتغلاً على الأبعاد الإنسانية والتاريخيّة والفلسفيّة والعقائدية، أدباً وبحثاً وفكراً ونقداً. في وداع الكاتب، أكّدت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، أن الكلمة تبقى، وأن المبدع لا يموت ما بقيت كلماته. وقالت: «نصافح كفّ عبدالله خليفة من خلال كل نتاجه الإبداعي، نفتقد الجسد، وتبقى الأفكار والكلمات يحملها الورق والأثير أبداً»، فيما شهدت الأوساط الثقافية والإعلامية البحرينية والخليجية ردود أفعال تناسبت وما يمثله الكاتب من قيمة فكرية وأدبية استثنائية، إضافة إلى تاريخه الإبداعي والإعلامي. عبدالله خليفة كاتب بحريني له نتاجات بحثية وأدبية، ولد في البحرين عام 1948. كتب القصة القصيرة والرواية منذ أواخر الستينيات، له مساهمات متنوعة في النقد الأدبي، وهو عضو أسرة الأدباء والكتاب في البحرين، وعضو جمعية القصة والرواية، صدر له أكثر من 15 عملاً، تنوعت بين القصة والرواية، والدراسات الفلسفية والنقدية. اختير عبدالله خليفة، رفقة حنا مينة وجبرا إبراهيم جبرا، وحيدر حيدر وغيرهم، ضمن قائمة أهم الروائيين العرب الذين عبروا في كتاباتهم عما سمي ««أدب البحر» من خلال الرواية. ولطالما نظر الروائي والناقد الراحل إلى موضوع الرواية في الخليج، باعتباره موضوعاً كبيراً، وهو الذي سبق له نشر دراستين عن هذه الرواية: «الرواية بين الكويت والإمارات»، و«الرواية الخليجية بين التبلور والتفكك». في هاتين الدراستين يمسح التجارب خلال العقود الأولى منذ الستينات. ويطرح أسباباً عدة «تجعل الرواية نوعاً لم يتجذر في الأرض بعدُ»، ومن هذه الأسباب: ضعف الفئات الوسطى والبيئة الحاضنة للحداثة، وضعف حضور المنتجين، وبدائية الوعي، والهزال الأدبي للصحافة وغيرها. لهذا، فإن اتصال الرواية الخليجية بالجذور العميقة للواقع ماتزال في تصوره، في حاجة إلى وقت موضوعي. ويشير إلى أن تحديات الرواية في الخليج تكمن «في تحليل الواقع بجرأة، وتعرية التناقضات الاجتماعية العميقة، ومنع العربة الخليجية من الانزلاق نحو الهاوية». يلفت الروائي والباحث البحريني، الذي أصدر عدداً من الروايات، ونشر عشرات المقالات في مواضيع وشؤون فكرية وثقافية وسياسية، إلى أن جيل الكتابة الروائية في الخليج لم يظهر إلا بعد إنجاز الثورات الوطنية في النصف الثاني من القرن ال20، «من هنا، فإن معظم نتاجاته الروائية متجهة إلى قضايا اجتماعية تنموية، وقضايا التعسف الحكومي (الوطني)، وجسّد اختلاف الرؤى في طرق التنمية والتعبير عن معاناة النماذج الشعبية المسحوقة غالباً». ويوضح صاحب «ذهب مع النفط»، في حوار سابق مع «الحياة»، أن الرؤية الكلية لقضية الثورة الوطنية تغدو مسألة صعبة في رواية متأخرة في النشأة، «ولأجيال إبداعية جثمت طويلاً في جنس القصة القصيرة، وهي غير قادرة إلا في شكل نادر على القيام بعمليات التعميمات الفنية الروائية، من حيث عمق المجاز، والقدرة على نمذجة الشخوص والأحداث، ورؤية المراحل التاريخية بشفافية ترميزية. لهذا، فإنها تجثم في الاجتماعي الآني العابر، وتتوجه في معالجاتها النادرة لمسائل الثورة الوطنية إلى الرومانسية الوطنية، أو التسجيلية الفوتوغرافية للتاريخ». إن الآني العابر ينظر إليه، كما يقول خليفة، على أنه حلقة منقطعة عن السيرورة التاريخية، «لهذا، يُقحم الآيديولوجي التبشيري أو الانعكاسي، فإما أن تغدو الرواية هتافاً وطنياً حماسياً مجلجلاً بالوطن والعروبة والإسلام والقادة، وإما أن تغدو تسجيلاً نقدياً فضائحياً... أو تسجيلاً لقادة النهضة العربية وتدخلات القوى الاستعمارية». يعتقد عبدالله خليفة بوجود نمو حلزوني يخرق الواقع والقوى المضادة، «وهذا ما يصل إليه عادة الدارسون الموضوعيون». ويعزو اختصار بعض الكتاب الكبار في مؤلف واحد، إلى أن هذا الكتاب، «ربما كان يمثل أهم خصائصه وقوة تجاربه. أو أن الكاتب لا يمثل علاقة عميقة بمجتمعه وعصره». يختلف عبدالله خليفة مع الآراء التي تؤكد أن البلدان، التي اعتبرت «هوامش» في الماضي أصبحت اليوم «مراكز»، في إشارة إلى بعض دول الخليج التي تتبنى مشاريع ثقافية كبرى تلفت الأنظار إليها في هذا الخصوص، ويقول إن هذه الدول تهتم بالترويج، «ولكن من دون إنتاج مهم». وفي رأيه لا تتطور المجتمعات من دون إنتاج ضارب في الأرض، وبالتالي تتحول هذه إلى عروض، «بدلاً من تحريك الرواية في المناهج والصحافة وشبكات الإعلام الجماهيرية. ولهذا فمن الصعب أن يتمكن كاتب واحد، من نشر رواية مسلسلة في صحيفة خليجية ويحصل على أي مقابل».