دفعت الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1991) شريحة من العاملين في الحقل الإعلامي إلى ترك وظائفهم قسراً والهجرة إلى كندا، على أمل أن تهيئ خبراتهم وتقنياتهم فرص عمل مماثلة. إلا أن كندا حينذاك لم تكن تعترف بتجارب وشهادات الوافدين إليها، ما اضطر بعضهم أمثال طوني جميل كرم (مواليد الحدث 1964 ومقيم في مونتريال منذ عام 1989) إلى العمل على إعادة تأهيل ذاته مهنياً عن طريق العمل في شركة إلكترونية عالمية. وإثر إقفال الشركة مكاتبها في مونتريال عام 1992 حظي بوظيفة دائمة في النقل العام. لم تثنه هذه الوظيفة (استقال منها عام 2008) عن التفكير في العمل الإذاعي الذي نشأ عليه في لبنان حين كان واحداً من الفريق المؤسس ل «راديو داتا» وإذاعة «كابيتول» اللتين شملهما الإقفال الرسمي اللبناني. يقول كرم: «تجربتي كإعلامي سابق ظلت تراودني في كل لحظة، إلى أن اختمرت في رأسي فكرة تأسيس إذاعة عربية في مونتريال»، مشيراً إلى أن «السوق الإعلامية والإعلانية كانت تشهد آنذاك فراغاً إذاعياً، على رغم وجود عدد من الصحف الأسبوعية الاغترابية وبعض البرامج التلفزيونية العربية»، موضحاً أن «تلك الفكرة كانت توفق بين رغبتي الشخصية من جهة، وحاجة الجاليات العربية من جهة أخرى». بداية متواضعة أسس كرم عام 1995 في مونتريال أول محطة إذاعية كندية ناطقة باللغة العربية تحت اسم «إذاعة الشرق الأوسط». وبعد حصولها على رخصة قانونية، كمؤسسة تجارية، والقيام بالتحضيرات اللوجستية والفنية، بدأت البث على موجة «أف أم» 24 ساعة. واقتصرت برامجها على إذاعة الأغاني والفواصل الإعلانية. ولم يكن مدى الإرسال حينذاك يغطي سوى مونتريال وضواحيها. عام 2007 حققت الإذاعة انطلاقة نوعية جديدة، إذ أصبحت تبث على موجة متوسطة «أي أم» تغطي نحو 170 كيلومتراً مربعاً فتسمع في مقاطعة انتاريو وعلى الحدود الكندية الأميركية. وارتفع عدد موظفيها من أربعة إلى 26 شخصاً، بينهم فنيون وإعلاميون من ذوي الخبرة والاختصاص الإذاعي. وأدخلت إليها تحسينات تكنولوجية وتقنيات متطورة كأجهزة إرسال لاقطة وكومبيوترات وأرشيف ومكتبة فنية بلغ مجمل تكاليفها أكثر من 300 ألف دولار. أما برامجها فتنوعت وتشعبت لتلبي مختلف أذواق المستمعين العرب وحاجاتهم. فإلى المنوعات الغنائية والموسيقية، تخصص نشرة للأخبار الكندية، وقراءات مختارة من الصحف العربية واللبنانية والعالمية، وتجري مقابلات شخصية مع عدد من المثقفين والفاعليات التجارية والاقتصادية والتربوية والفنية. كما تقوم بنقل مباشر للكثير من أنشطة المؤسسات التجارية والاقتصادية العربية والكندية والترويج لمنتجاتها في أوساط الجاليات العربية. وتخصص برامج تثقيفية موجهة للدفاع عن حرية المرأة العربية وحقوقها وحمايتها من العنف الأسري والتمييز العنصري، فضلاً عن برامج الأطفال والمعوقين والتقارير الدورية عن أحوال الطقس والسير والحوادث اليومية ومتابعة قوانين العمل والبطالة والصحة والتعليم... وغيرها. ولتخفيف الأعباء المالية عن كاهل الإذاعة، يقول كرم: «عقدنا اتفاقات مع بعض الفاعليات الاغترابية (السورية والمغربية والمصرية والأرمنية) تقضي باستخدام إذاعتنا لتوجه عبرها برامج مسائية إلى كل من تلك الجاليات في مقابل بدل مالي»، وتذاع مجمل هذه النشاطات وغيرها على موقع الإذاعة الإلكتروني www.1450am.ca في أكثر من 50 بلداً حول العالم. كما تقوم «إذاعة الشرق الأوسط» الكندية، في إطار التعاون الإعلامي، بتقديم نشرتي أخبار يومياً تبثهما مباشرة إذاعة «صوت لبنان «من بيروت و«راديو مونتي كارلو» من فرنسا لإطلاع المستمعين على مجريات الأحداث اللبنانية والعربية والدولية. أما عن توجهات الإذاعة، فيؤكد كرم أنها «وسيلة إعلامية مستقلة تتمتع بحيادية مطلقة وموضوعية مهنية دقيقة. فهي لا تحابي حزباً أو طائفة أو مذهباً، ولا تتلقى معونة مالية من أية جهة لبنانية أو عربية أو كندية». وإلى ذلك، تسعى الإذاعة - كما يقول - إلى «تسهيل اندماج المهاجرين في المجتمع الكندي والحفاظ على قيمهم وهويتهم الوطنية وتعميم ثقافة الانفتاح والتواصل بين الوطن المقيم والمغترب».