«مذنب حتى تثبت براءته» عنوان الفيلم الوثائقي الذي عرضت شاشة «اومني» الخاصة بالمجموعات الاتنو-ثقافية في تورونتو، النسخة العربية منه أخيراً، على أن تعرض النسخة الأصلية الإنكليزية في 28 آب (أغسطس) الجاري. مدة الفيلم حوالى 60 دقيقة. استغرق إنجازه حوالى سنتين. وهو من إنتاج شركة «أومني» وإخراج الكندي اللبناني غابي اندراوس الذي درس الإخراج والتصوير في معهد هامير الكندي، وأخرج عام 1996 فيلماً وثائقياً بعنوان «آمال وذكريات» تناول هجرة اللبنانيين الى كندا. وهو يدير في قناة «أومني» برنامجاً ثقافياً اجتماعياً موجهاً الى الجاليات العربية والإسلامية في مقاطعة أنتاريو. يتناول الفيلم صورة العرب في الإعلام الغربي والكندي، والانحياز والانطلاق من أحكام مسبقة. ويتوقف عند بعض التغطيات الإعلامية التي تكيل بمكيالين: منطق الإدانة للعرب والمسلمين ومنطق التبرير لخصومهم وأعدائهم. هذه الصورة النمطية التي تظهر في الإعلام الغربي، تنسحب على مجمل النزاعات في الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي وحربي العراق وأفغانستان وغيرها من التوترات التي تحدث بين الحين والآخر. هذا الاتجاه المعادي لكل ما هو عربي أو إسلامي برز في شكل سافر بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 من خلال قوانين ما يسمى «مكافحة الإرهاب» التي أدت الى اعتقال كثر من العرب والمسلمين من دون مسوغ قانوني. إزاء تلك الحملات الإعلامية الظالمة تبدو في الفيلم رغبة صادقة واندفاع قوي و «حاجة ماسة لكسر تلك الصورة النمطية الإرهابية». ويركز الفيلم في شكل أساس على انحياز بعض الوسائل الإعلامية الكندية ودخوله طرفاً أساسياً في «معركة الإرهاب» ضد الأقليات العربية والإسلامية. ويستند الفيلم لمواجهة تلك الادعاءات وكشف زيفها، الى مجموعة من الوقائع والتحقيقات والوثائق التي نشرها بعض الصحف الكندية، إضافة الى آراء محامين وخبراء في القانون الكندي ومقابلات مع شخصيات أجنبية إعلامية (البريطاني روبرت فيسك) وسينمائية (المخرج الكندي ساشا تريدو) وأكاديمية يهودية (المؤرخ ايلان بابي) وناشطة في لجان حقوق الإنسان (ماثيو بيرنس) وديبلوماسية وأكاديمية عربية (كلوفيس مقصود) وإعلامية (الباكستاني هارون صديق في صحيفة «تورونتو ستار»، والمغربية منية مازيغ التي لعبت دوراً كبيراً في الإفراج عن زوجها ماهر عرار الذي اعتقل على يد السلطات الكندية في الأعوام السابقة). ولعل أهم عناصر القوة في الفيلم، استناده الى بعض القوانين الكندية «الغامضة» أو ما يسميها «شهادات الأمان» التي يعود صدورها الى الستينات من القرن العشرين. وكانت الاستخبارات الكندية استخدمتها في السنوات الأخيرة قبل صدور قوانين «مكافحة الإرهاب» بهدف ملاحقة المشتبه فيهم من «الإرهابيين» العرب والمسلمين واعتقالهم واحتجازهم من دون محاكمة أو انتداب محام للدفاع عنهم أو معرفة سبب اعتقالهم أو أي معلومة أخرى في شأن مصيرهم ومستقبلهم. وهذه «الثغرة» أو «الفضيحة»، كما يصفها بعض المحامين الكنديين، سنت خصوصاً لأغراض التجسس إبان الصراع العسكري والعقائدي بين الاتحاد السوفياتي السابق والغرب. وبموجب تلك الشهادات أقدمت السلطات الأمنية الكندية وبتحريض من بعض وسائل الإعلام المعادية للعرب والمسلمين على اعتقال سبعة أشخاص بينهم الكندي المصري محمود جاب الله (مدرس التعليم الديني) الذي أمضى 7 سنوات وراء القضبان بتهمة الانتماء الى منظمة إرهابية واعتباره «مذنباً حتى تثبت براءته»، علماً أن هذه المقولة مخالفة للقانون الدولي القائل «المتهم بريء حتى يدان». بمعنى آخر إن الإجراءات القضائية الكندية قلبت المعادلة القانونية العادلة رأساً على عقب واعتبرت المتهم مدان سلفاً وأن الجرم واقع عليه وأنه باق في السجن حتى ظهور أدلة تقضي ببراءته. ويلفت جاب الله الى أنه على رغم مرارة الاعتقال التعسفي وإبعاده قسراً عن عائلته وأولاده وما لحق به من ضرر معنوي ونفسي ومادي، ما زال فخوراً بانتمائه الى كندا، مثنياً على ما لقيه من معاملة حسنة يفتقر إليها السجين في أي قطر عربي أو إسلامي. وفي المحصلة النهائية يشدد الفيلم على أن الإعلام الغربي عموماً قوة حقيقية فاعلة ومؤثرة في تشكيل الرأي العام، ويمكن تجييره وتوظيفه لغايات سياسية وأمنية في زمن الحرب أو السلم. في المقابل يظهر الفيلم هزالة الإعلام العربي المقيم والمغترب وعجزه عن تكوين منظومة إعلامية ذات مصداقية وطنية أو عالمية قادرة على الدفاع عن وجودها ومصالحها. كما يلفت الى جرأة وحيادية القناة الكندية «أومني» وشفافيتها الإعلامية، خصوصاً أنها الوحيدة التي وفّرت للفيلم «تغطية شفافة، عادلة ومتوازنة»، انطلاقاً من أن مصداقية الإعلام تنطلق من ثوابت الالتزام بالموضوعية وحرية التعبير وحفظ حقوق الإنسان والمجموعات الاتنو-ثقافية. وفي هذا الصدد يسجل لأندراوس جهوده المضنية في إقناع المسؤولين عن محطة «أومني» لعرض الفيلم على رغم الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها من مجموعات ضغط إعلامية واقتصادية وسياسية. كما يسجل له إخراج هذا الفيلم بقدرات مالية وفنية متواضعة في محاولة جريئة في التصدي لامبراطوريات إعلامية عالمية مناهضة للقضايا العربية والإسلامية.