استهلت الحكومة الفلسطينية الجديدة اليوم الأول من عملها بالإعلان عن حجم وشدة الأزمة المالية، وحاجتها لمساعدات خارجية إضافية، ونيتها اتخاذ اجراءات تقشفية بعدما أعلن نائب رئيس الحكومة، الناطق باسمها محمد مصطفى في اول مؤتمر صحافي له أن حجم الدين العام للسلطة بلغ 4.2 بليون دولار. واعتمدت السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها عام 1994 على المساعدات الخارجية. وزاد اعتمادها على هذه المساعدات بعد تعمق السيطرة الاسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني وتقييده باتفاقات انتقالية، تحولت مع الزمن الى دائمة. ومنحت هذه الاتفاقات اسرائيل حق جباية أموال الجمارك على السلع القادمة الى الأراضي الفلسطينية، وتحويلها للسلطة ما مكّنها من استخدادها للإبتزاز السياسي. ومنحتها أيضاً حق منح الموافقة على المشاريع الاقتصادية على اختلاف انواعها في 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية التي بقيت تحت ادارتها الأمنية والمدنية. وتظهر أرقام وزارة المال الفلسطينية أن وضع الحكومة الجديدة أفضل حالاً من سابقاتها. فحكومة حركة «حماس» في العام 2006 تسلمت خزانة خاوية، وديناً عاماً قدره ثلاثة بلايين دولار، وتعرضت للحصار. والحكومة التالية بقيادة سلام فياض التي تولت ادارة السلطة عام 2007 تسلمت أيضاً خزينة خاوية، وديناً عاماً أكبر بلغ 4.110 بليون دولار. وبحسب بيانات قدمها فياض أخيراً في مؤتمر اقتصادي لشبكة «أمان» في رام الله، فإن الدين العام للسلطة في 2007 كان يساوي 79 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. وأشار في المؤتمر المذكور الى أن الدين العام اليوم الذي يبلغ 4.2 بليون دولار يساوي 39 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وهو ما يساوي نصف الدين العام في ذلك الوقت مقارنة مع حجم الانتاج البالغ اليوم عشرة بلايين دولار. ويضاف الى ذلك توقف قطاع غزة عن المساهمة في الايرادات الحكومية بعد انفصاله عن الضفة، في وقت استمرت الحكومة في تخصيص 46 في المئة من موازنتها الى القطاع على شكل رواتب وخدمات صحية وتعليمية واجتماعية. ونجحت الحكومة السابقة في جلب مساعدات دولية كبيرة ما مكّنها من سد العجز الكبير في موازنة الحكومة، ودفع رواتب موظفيها، وتنفيذ مشاريع بقيمة 1.2 بليون دولار، وهو ما لم يتوافر لحكومة هنية التي سبقتها وتعرضت لحصار مالي منذ اليوم الاول لتسلمها السلطة ما تركها عاجزة عن دفع رواتب موظفيها. ورافقت الأزمة المالية السلطة منذ إقامتها، حيث اعتمد الرئيس الراحل ياسر عرفات سياسة قامت على استيعاب اعداد كبيرة من العاطلين عن العمل بهدف حل مشكلة البطالة الناجمة عن ضعف الاقتصاد المحلي بعد عقود طويلة من الاحتلال الذي قيّد الاستثمار. ووصل عدد الموظفين في السلطة عند وفاة عرفات 180 ألف موظف، جرى تقليصه في عهد الحكومة السابقة عبر برامج التقاعد المبكر وغيره الى 153 ألفاً. وتستخدم اسرائيل سيطرتها على الاقتصاد الفلسطيني للضغط السياسي على السلطة الفلسطينية. وعملت العام الماضي على تجميد التحويلات الجمركية الى السلطة التي تساوي حوالى ثلثي ايراداتها، عقب لجوئها الى الأممالمتحدة لنيل مكانة «دولة غير عضو» في الجمعية العامة ما تركها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها. وحاولت السلطة الفلسطينية إيجاد شبكة امان مالية عربية لكنها لم تنجح في ذلك لاسباب منها توسع دائرة التبرعات العربية في مرحلة الربيع العربي. وباستثناء المملكة العربية السعودية لم تقدم أية دولة أخرى مساعدات اضافية للسلطة. ويقول خبراء الاقتصاد إن قدرة الحكومة الجديدة على حل المشكلة المالية تبدو متواضعة جداً بسبب اعتماد السلطة على المساعدات الخارجية، وتحكم اسرائيل في مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني. وتحاول الادارة الاميركية إغراء السلطة الفلسطينية بالعودة الى المفاوضات عبر خطة يغلب عليها الطابع الاقتصادي. وتتضمن الخطة تقديم مساعدات للاقتصاد الفلسطيني بقيمة 4 بلايين دولار، وموافقة اسرائيل على قيام مشاريع اقتصادية فلسطينية في المنطقة «ج». وتتوقع بعض المصادر الغربية أن تضطر السلطة للموافقة على العودة الى المفاوضات لفترة معينة في حال ترافق البرنامج الاقتصادي المقترح مع برنامج سياسي بسبب الازمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها.