عند قرب أي استحقاق سياسي، سواء في الغرب أو في إيران، تخرج علينا بيانات من المنظمات الدولية تأسف لعدم تعاون إيران مع القوى الكبرى في التعاطي مع ملفها النووي، بل إننا كل مرة نسمع أن إيران حققت تقدماً في برنامجها النووي على أرض الواقع، وأنها تحتاج لأشهر لإنتاج قنبلة نووية، ومع الأسف يهدد الغرب وإسرائيل باستخدام القوة العسكرية ضد منشآت إيران النووية، ولكن هذا التكرار أصبح مملاً ويثير الشبهات من شعوب منطقة الخليج التي هي معنية بمخاطر هذا البرنامج النووي عسكرياً وبيئياً. هل يعقل أن إيران التي فرض الغرب عليها عقوبات قاسية، التي تقول التقارير المستقلة إنها أثرت على صادراتها النفطية بدرجة كبيرة، وأن معدل البطالة وصل إلى نحو 31 في المئة، والعملة الإيرانية فقدت أكثر من نصف قيمتها جراء العقوبات الغربية، على أرض الواقع لم نشهد تأثيرات واضحة على الداخل الإيراني، بل إن المتابع للسياسة الإيرانية الإقليمية يجدها نشطة في كل الاتجاهات، فدولة محاصرة اقتصادياً كيف تدعم النظام السوري اقتصادياً وسياسياً وترسل الأسلحة والأموال إلى المجموعات التابعة لها في عالمنا العربي في لبنان واليمن وفي بعض الدول الأفريقية، وإيران تعمل لتقوية علاقاتها مع مصر وتونس على أساس تعاون اقتصادي، فكيف نفهم هذه المعادلة غير المنطقية، فالدول التي تعرضت إلى حصار، أو هي محاصرة، تنكمش داخل حدودها وتغرق في مشكلاتها الداخلية حتى تصل إلى مرحلة القلاقل الداخلية جراء ما تعانيه شعوبها من معاناة حياتيه جراء تلك العقوبات الاقتصادية، وكلنا يتذكر العراق قبل الغزو الأميركي عندما تعرض لحصار دولي استمر لأكثر من عشرة أعوام وصل إلى حد تحكم الأممالمتحدة بصادراتها النفطية وعوائدها، ما أضعف نظام صدام حسين وجعله في نظر شعبه هو المسؤول الأول عن معاناته، وأنه لا خلاص من ذلك الوضع إلا بالتخلص من النظام نفسه وهذا ما حدث في نهاية الأمر. البعض يقول إنه كان هناك توافق دولي حول نظام صدام حسين، ولكن في الوضع الإيراني وبرنامجها النووي نجد أنه يوجد توافق دولي حول إنهاء طموحات إيران النووية، ولكن الآلية تختلف من دولة إلى أخرى هذا في العلن، «مجموعة الخمس زائد اثنان» عقدت جولات متكررة مع إيران لمناقشة هذا الملف وفي كل مرة تخرج التصريحات بأن المباحثات حققت بعض التقدم ولكن ذلك كله يذهب في عالم النسيان، وبعد فترة تخرج علينا مراكز الأبحاث الغربية بتقاريرها الضخمة والمدعمة بالصور من الأقمار الاصطناعية عن الأنشطة النووية الإيرانية. هل هناك أجندات خفية بين إيران والغرب في استغلال هذا الملف لمصالحهما وتأجيج منطقة الشرق الأوسط سياسياً وطائفياً الذي قد يخدم إيران في المقام الأول فهي ومن خلال هذا الفراغ السياسي في العالم العربي تستطيع فرض هيمنتها السياسية على دول الجوار مستخدمة خطابها الطائفي الذي قد يخدع البعض في منطقتنا، وكلنا يتذكر ما حدث في العراق قبل الغزو الأميركي فقد كان بلداً عربي الهوية وأحد أهم المحاور في المنظومة العربية، على رغم عدم اتفاقي مع السياسة الطائشة التي قام بها صدام حسين في الزج ببلاده والعالم العربي في حروب خارجية وداخلية، خصوصاً غزوه للكويت، لا يمكن أن أتصور أن الغرب، خصوصاً أميركا لم تكن تملك الرؤية الإستراتيجية عندما غزت العراق وخرجت منه بعد سنوات وسلمته إلى إيران، لا يمكن القول إن تلك السياسة الأميركية كانت بسبب الخسائر التي مُنيت بها بالعراق، هل هناك مخطط أميركي لشرق أوسط جديد يقوم على تقسم دوله على أسس إثنية ودينية ومذهبية وإدخال هذه الدويلات في صراعات وحروب وتجعل منها في النهاية دولاً ضعيفة لا تمثل خطراً على العالم وتكون منشغلة في صراعاتها الداخلية لفترة طويلة جداً. الغرب، وبحسب هذا المخطط، لن يكون صديقاً دائماً لأي دولة معينة فهو يهتم بقضايا تأمين الطاقة من هذه المنطقة وتوريد الأسلحة لدولها المفككة، ماذا علينا نحن أهل الخليج أن نتعاطى مع هذه الظروف الدولية المعقدة في المقام الأول يجب أن نقوي من جبهاتنا الداخلية، سواء على مستوى الحكومات والشعوب، فالتحالفات ومع بعض التنازلات هو ما يجب علينا أن نفكر فيه بشكل جدي وبشكل سريع، وألا ننشغل في قضايا شكلية مثل أين يكون مقر هذه المنظمة الخليجية أو ماذا نطلق على عملتنا الخليجية، الكثير من الإصلاح السياسي في دولنا وبناء دولة المواطنة التي يكون الإنسان هو محورها، وعلينا أن نفهم أن علاقتنا مع الدول مبنية على المصالح المشتركة مهما كان عمق علاقتنا مع بعض الدول الغربية، فالدول تحركها المصالح وليست العواطف... إن مشروع الاتحاد الخليجي الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين قد يكون هو الأساس الذي ننطلق منه ولكن المرحلة تحتاج إلى السرعة في تبني مثل هذا المشروع وفي هذه الظروف الحساسة التي تمر بمنطقتنا والعالم. [email protected] @akalalakl