قد يتهيأ للبعض إن غالبية سكان هذا الكوكب هم رجال تخطوا سن الستين أو أقله الخمسين، بالنظر إلى المتحكمين في تسيير أمور الناس ورسم السياسات وتحديد الأولويات وشن الحروب. لكن الحقيقة هي أن ثلث سكان الأرض هم من الشباب بين العاشرة وال24 سنة. ليس هذا فقط، بل إن ال 1،7 بليون شاب وشابة يمثلون أكبر انتفاخة شبابية عرفتها الأرض على مدى تاريخها المأهول بالسكان! وعلى رغم أن شباب اليوم أكثر صحة وتعليماً من الأجيال السابقة، إلا أنهم، لا سيما الإناث بينهم, يواجهون مشكلات وتحديات كبرى أقل ما يقال عنها أنها تمنع عنهم الحياة اللائقة. ومن أجل 14 مليون مراهقة يلدن كل عام، و 70 ألف مراهقة يتزوجن كل يوم، ولأن الشباب والفتيات يشكلون نصف عدد الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة المكتسب، ارتدى مؤتمر «النساء ينجبن» الأممي الذي أقيم في العاصمة الماليزية كوالالمبور قبل أيام وجهاً شبابياً من خلال «ميني مؤتمر» عن الشباب ولهم، وعبر جلسات عدة وورش عمل وأركان للنشاطات تم تخصيصها لهم ليتحاوروا حول قضاياهم ويتحدثوا إلى بقية الفئات العمرية عن نظرتهم ومطالبهم وما يستطيعون القيام به وما يحتاجونه من دعم ومساعدة. وعلى رغم إن مؤسسة «النساء ينجبن» في الأساس تعنى بصحة المرأة وتمكين نساء العالم وفتياته من أجل صحة أفضل ومن ثم حياة تليق بهن، إلا أن مجريات العالم من ثورات تقنية، وحروب داخلية، وثورات ربيعية وغيرها وضعت الشباب في نقطة ارتكاز الفعاليات. تحدثت مؤسسة ورئيسة مؤسسة «النساء ينجبن» جيل شفيلد عن المعلومات الأممية التي تؤكد أن الحديث عن الشباب هو الحديث عن تعداد منسي من الشعوب، حيث اختياراتهم يعوقها الفقر والحرمان من التعليم والفروق الكبيرة بين الجنسين والصمت التام تجاه هذا الظلم. مئة شاب وشابة ملقبون ب «قادة شباب» شاركوا في فعاليات المؤتمر، ليس فقط من خلال حضور الجلسات، ولكن إدارتها والتحدث فيها، وهو ما بدا منطقياً تماماً في ضوء الواقع الذي يؤكد أن أكثر ضحايا نقص الرعاية الصحية والتعليم والمعلومات والدعم هم من الشباب، وفي سياق «النساء ينجبن» هن من الشابات. «العلاقات الحميمة في عالم عربي يتغير» كان عنوان مداخلة الإعلامية الكندية من أصل مصري شيرين الفقي التي تحدثت عن العنف الممنهج ضد الشابات المتظاهرات والناشطات في دول الربيع العربي كنوع من الإرهاب الجنسي، ليضاف بذلك بعد جديد إلى قائمة صحة الفتيات والشابات المعرضة للخطر في هذا الجزء من العالم، والتي ترتدي مرة رداء الدين، ومرة رداء العادات والتقاليد، ومرة رداء المحافظة. وهي ترى أن العنف المجذر والمتأصل ضد النساء والفتيات، لا يبدأ بالضرورة عبر أنظمة الحكم أو التفسيرات الدينية بل كثيراً ما يبدأ في غرف جلوسنا. وباعتبارها مؤلفة كتاب «الجنس والقلعة» فهي ترى أن ثورات الربيع العربي تفجرت لأسباب تتعلق بالجنس. «فالشكل الوحيد من أشكال الجنس المقبول في العالم العربي هو ذلك الذي يجري في داخل مؤسسة الزواج، وحيث إن غالبية الشباب والشابات ممن هم في سن الزواج غير قادرين على الزواج لأسباب اقتصادية معروفة، فإن هذا يعني إن بديهيات حاجات ما يزيد على نصف التعداد العربي غير موجودة». وتواجه الفقي الحقيقة التي ترفض المجتمعات المحافظة أن تعترف بها. فالشباب والشابات لم يعودوا ينتظرون الزواج ليتعرفوا إلى بعضهم بعضاً. وتزيد الطين بلة بقولها إنهم يفعلون ذلك من دون معلومات كافية عن الصحة الإنجابية. تقول: «ثمن الإنكار هنا باهظ جداً». وإذا كان حديث الفقي صادماً للبعض، أو يبدو مباشراً أكثر ما ينبغي للبعض، فإن الواقع يقول أن الصحة الإنجابية والثقافة الجنسية ترتبطان في العالم العربي بعلاقة حب كراهية. فهي محببة ومطلوبة، لكن الجميع إما يتظاهر بأنها «عيب» ومن ثم يجب ألا نتطرق إليها، أو «حرام» وبالتالي نجرم كل من يقترب منها، لا سيما في ضوء ارتداء عدد من أنظمة الحكم في المنطقة جلباب الدين. «قادة الشباب» الذين شاركوا في جلسة «أجندة التنمية في عدسة شابة» لم يرتدوا أية جلاليب. اكتفوا بارتداء ردائهم الخاص من حيث الهموم والطموحات. أحمد عوض الله لخص المشكلة الكبرى في تهميش الشباب وإقصائهم على رغم ثورة شبابية بامتياز، وما تهميش الفتيات والتعامل معهن باعتبارهن مواطنين درجة ثانية وأحياناً ثالثة إلا جزء لا يتجزأ من ظاهرة التهميش الشبابي. لكن البشرى التي جاء بها عوض الله هي أن الشباب قرر أن ينغمس في العمل العام، لا سيما من خلال النشاط الحقوقي والشعبي بغض النظر عن الموقف الرسمي، وهذا العمل يحوي كل أنواع الحقوق. تحدث عوض الله، الناشط الحقوقي المصري والمدون، عن دور الشباب من الذكور في مواجهة العنف الموجه ضد النساء، لا سيما الشابات، بما في ذلك منع معلومات الصحة الإنجابية وتوجيه مقصلة العادات والتقاليد على رقاب الفتيات. «هذا النوع من العنف يأتي من الفجوة بين الجنسين في المجتمعات، وفي اختلال موازين القوى بينهما، والمفاهيم الثقافية المتعلقة بذلك. والمشكلة الأكبر هي أن كثيرين من الشباب والفتيات يعتقدون أن هذا الخلل طبيعي ومقبول، وهنا يأتي دور العمل معهم لا سيما حين يكون القائمون على العمل أنفسهم شباناً وفتيات». والمطلوب حالياً، بحسب ما توصلت إليه «النساء ينجبن» في ماليزيا هو تمكين الشبان والفتيات من خلال سياسات متوازنة وقوانين شاملة ونظام تعليمي يمدهم بالوعي اللازم والاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرارات التي تمس حياتهم. وفي هذا الإطار، تستضيف القاهرة بين 24 و26 الجاري المؤتمر الإقليمي للسكان والتنمية الذي يراجع الوعود التي انطلقت من مؤتمر القاهرة الدولي للسكان والتنمية في عام 1994. ويتوقع أن يحرك المؤتمر الكثير من المياه الراكدة بالإضافة إلى العديد من الرياح والأتربة في ظل نظام حكم يميل إلى الانغلاق والمنع، فكيف حين يتعلق الأمر بحقوق ومعلومات عن الصحة الإنجابية. أرقام ومعلومات الوفاة الناتجة من مشكلات الحمل والولادة والإجهاض غير الآمن هي أعلى مسببات الوفاة بين الشابات بين سن 15 و19 عاماً في الدول النامية. الفتيات تحت سن ال16 عاماً أكثر عرضة للوفاة أثناء الولادة مقارنة بالشابات في العشرينات من العمر. الفئة العمرية الأكثر إصابة بالأمراض المنقولة جنسياً هي بين سن ال15 وال24 عاماً، بما في ذلك فيروس نقص المناعة المكتسبة (الأيدز). عشرون في المئة من النساء تحت سن ال24 عاماً أصبن بشكل من أشكال فيروس الورم الحليمي البشري والذي يعد السبب الرئيس وراء الإصابة بسرطان عنق الرحم. في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشكل الشباب بين سن 10 و24 عاماً ثلث سكان المنطقة، أو 125 مليون نسمة. نحو أربعة ملايين شابة تحت سن العشرين متزوجات. في الجزائر، 95 في المئة من الشباب و73 في المئة من الشابات حصلوا على معلومات سن البلوغ من دون مساعدة من خبراء أو أفراد عائلة موثوق بهم. في مصر، 97 في المئة من النساء في سن الإنجاب خضعن للختان.