استيقظ الشارع العربي اخيراً وبعض حكوماته على اكتشاف مفجع هو «الوجه الحقيقي» ل «حزب الله». فتبين فجأة أن ما ترسّخ في الأذهان لنحو ثلاثة عقود، بصفته مقاومة ضد محتل، ليس أكثر من حزب طائفي مسلح، يخدم مصالح إيران في المنطقة. وجاء هذا الاكتشاف صفعة مؤلمة لناس رأوا ذات يوم في «حزب الله» وأمينه العام حسن نصرالله صورة ناصعة لمحارب رفع رأسهم في وجه إسرائيل، فإذا به اليوم يساند نظاماً يقتل شعبه، ويحسم المعارك عنه. وجاءت الاحتفالات ب «سقوط القصير» لتزيد الاحباط والخيبة، ما دفع كثيرين الى التشكيك في «النصر الإلهي» والسخرية منه. ولا شك في أنه لأمر محمود أن يعيد الفرد كما الجماعة النظر في المواقف السياسية والانتماءات والولاءات في سبيل تقويمها وإعادة تعريفها بما يتناسب وحاجة ما أو دوراً أو صحوة. ولعل تلك أحد التداعيات الايجابية للثورة السورية ولمشاركة «حزب الله» في القتال ضدها، حيث سقطت أوهام كثيرة ليس آخرها الممانعة ومجابهة إسرائيل. لكن تلك المراجعات تقضي في المقابل بالتسلح ببعض الجرأة والنزاهة لتحميل المسؤوليات لأصحابها وليس الاكتفاء بإلقائها على الحزب. فهل كان يجب أن تقع معركة القصير لنكتشف ذلك «الوجه الحقيقي» الذي لم يجهد «حزب الله» يوماً في إخفائه؟ والواقع ان افتراض سقوط القناع اليوم، يعني أن بروباغاندا الحزب انطلت طوال عقود على الرأي العام العربي الذي أبى إلا أن يراه حزباً مقاوماً منزهاً عن الصغائر، ورفض أن يقوّم أداءه السياسي خارج منظومة مواجهة إسرائيل. لا بل تم تخوين اللبنانيين الذين عارضوا الحزب وطالبوه بإشراكهم في قرار الحرب والسلم على الأقل، علماً أن دافعهم اختلاف سياسي مع الحزب وليس خلافاً فقهياً أو طائفياً. والحال أن الحزب لم يكذب. فمنذ اليوم الاول لنشأته كان واضحاً وصريحاً في سعيه لإقامة دولة إسلامية (شيعية للمفارقة!) ولم يعترض أحد، ثم تراجع عنها بالوضوح نفسه، وبعدها ومن دون أي حرج خاض حرب تطهير ضد المقاومة الوطنية «العلمانية» واستأثر بجبهة الجنوب مقصياً كل ما عداه. وعندما وجه سلاحه الى بيروت، واليوم الى سورية، لم يشعر بحاجة للمواربة والالتفاف وبذل أدنى جهد في الاقناع. وليس ذلك من قبيل الشفافية أو ما يضمره الصدق من قيم إيجابية، وإنما أولاً لعدم اعترافه يوماً بالشراكة في الوطن، وثانياً لأن ذلك يتوافق مع علة وجود الحزب نفسه. فهو ومنذ اليوم الاول، حزب الولي الفقيه المسلح في لبنان وليس ذلك بسر. والحزب صادقٌ تجاه جمهوره أيضاً. يكفي مثلاً أنه لا يمكن وصف مقاتليه الذين ذهبوا الى معركة ليست معركتهم في سورية بأنهم «مغرر بهم»، كما هي الحال في وصف شباب التنظيمات المسلحة السنّية. وللمفارقة، وفيما كان الشارع العربي يهلل لانتصارات الحزب ويرى في نصرالله قائداً عظيماً، لم يكن الحزب وأمينه العام أقل شيعية مما هم عليه اليوم. واللافت أكثر أن هذا الجمهور نفسه الذي تكشف له أمس «الوجه الحقيقي»، لا يزال يطالب «حزب الله» بالكف عن القتال في سورية، والعودة الى ذلك الدور المزعوم في محاربة اسرائيل! «حزب الله» لم يكذب ولم يخفِ وجهه عنا. نحن فعلنا. فبذريعة إسرائيل أعمينا بصرنا عن أنظمة وتنظيمات كان الأجدى بنا مقاومتها قبل وقت طويل من «سقوط القصير»... السقوط الذي كشف عورة لا وجهاً حقيقياً.