على رغم الهدوء النسبي التي نعمت به طرابلس (شمال لبنان) منذ ليل أول من أمس، بعد انتشار الجيش اللبناني في منطقة جبل محسن، استفاقت المدينة فجر أمس على قطع للطرقات في باب الحديد – القلعة، وطريق طرابلس – البداوي ( الطريق الدولية التي تربط طرابلس بالحدود السورية) من قبل بعض الشبان. ولم تسلم المدينة من أعمال القنص على محاور القتال التقليدية بين جبل محسن وباب التبانة، وخصوصا على محور القبة – البرانية، البقار، والشعراني ما أدى إلى انقلاب سيارة على جسر الملولة وإصابة مواطن بجروح. وطاردت قوة من الجيش سيارة يستقلها مسلحون في شارع عزمي وألقت القبض عليهم عند مستديرة المئتين، في الوقت الذي واصلت فيه وحدات الجيش تشديد إجراءاتها الأمنية وتوسيع انتشارها في منطقتي جبل محسن وباب التبانة، منفذة سلسلة عمليات دهم بحثاً عن المسلحين ومخابئ الأسلحة. كما واصلت فتح الطرقات وإقامة حواجز ثابتة دققت في هويات المارة، وسيرت دوريات بدءاً من منطقة البحصاص حتى مستديرة الملولة. وأصدرت قيادة الجيش – مديرية التوجيه بياناً قالت فيه: «ضبطت وحدات الجيش فجر اليوم (أمس) في محلة سوق القمح – الحارة البرانية، مخزناً للسلاح يحتوي على كميات من العبوات الناسفة ومدافع الهاون المحلية الصنع، والبنادق الحربية والذخائر العائدة لها، وأعتدة عسكرية متنوعة. والمخزن المذكور عائد للمدعو زياد علوكي الذي قام ببث أكاذيب تتعلق بإقدام الجيش على المس بالرموز الدينيّة بهدف إثارة النعرات الطائفيّة». وجدد البيان التحذير بأن «وحدات الجيش لن تتهاون في التصدي المباشر للعابثين بالأمن وكل المظاهر المسلّحة إلى أي جهّة انتموا». وفي بيان لاحق أفادت قيادة الجيش أن دورية تعرضت في بعل محسن لإطلاق نار من مسلحين ردت عليه ونفذت عمليات دهم. وبحث رئيس الجمهورية ميشال سليمان وقائد الجيش جان قهوجي الوضع في مدينة طرابلس ومحيطها. ميقاتي يشيد بخطة الجيش وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أن «الجيش اللبناني ماض في تنفيذ الخطة الأمنية التي وضعها لإعادة الهدوء والاستقرار إلى المدينة، تنفيذاً للقرارات المتخذة سابقاً في مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدفاع»، وذلك في سلسلة اجتماعات سياسية وأمنية في دارته في طرابلس، في إطار مواكبة التدابير الميدانية التي يتخذها الجيش اللبناني. وشدد على أن «طرابلس كانت وستبقى تعيش في كنف الشرعية اللبنانية وبحماية الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وأن بعض المظاهر المسلحة الخارجة على القانون مستهجنة ولا تعبر عن توجه أبناء المدينة». ولفت إلى أن «التوجيهات أعطيت للجيش لضبط كل إخلال أمني، من أي جهة أتى، وتوقيف المتسببين بترهيب المواطنين». ودعا «الطرابلسيين إلى التمسك أكثر من أي وقت مضى بالانتماء إلى الدولة اللبنانية». وشارك ميقاتي في الاجتماع الذي عقد في دار الفتوى في حضور وزير الدولة في حكومة تصريف الأعمال أحمد كرامي والنائبين محمد كبارة وسمير الجسر. وأعلن أمين دار الإفتاء في طرابلس الشيخ محمد إمام، في بيان بعد اللقاء «أن المجتمعين يثمنون ما يقوم به الجيش والقوى الأمنية من إجراءات لحفظ الأمن والتعامل مع المخلين، ويشددون في الوقت نفسه على أن تكون هذه الإجراءات وازنة في كل المناطق اللبنانية حتى لا تشعر أي فئة أنها مستهدفة». ونفى المجتمعون ما تم التداول به عن دخول الجيش إلى إحدى الزوايا الدينية، وأكدوا أنهم تواصلوا مع قيادة الجيش التي نفت ما أشيع عن دخول الجيش الى جامع محمود. وأهابوا ب «عدم استعمال دور العبادة لأغراض غير دعوية». إلى ذلك، طالب النائب كبارة في مؤتمر صحافي «أبناء طرابلس بعدم إفساح المجال أمام من يحاول جرّ المدينة إلى الفتنة». ودعا «الدولة والجيش إلى إثبات حرصهم على سلامة المدينة وإعادة الأمن إليها». ولفت إلى أن «هناك بعض المجموعات التابعة لحزب الله والنظام السوري لا مصلحة لديها بأن يستتب الأمن في المدينة». ودعا الجيش إلى «إحلال الأمن من دون تمييز بين المناطق». كما عقد «اللقاء الوطني الإسلامي» اجتماعاً في منزل كبارة بمشاركة كامل أعضائه وفي حضور وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل والمدير العام لقوى الأمن الداخلي بالوكالة العميد روجيه سالم، وقائد الدرك العميد جوزف الدويهي لبحث الأوضاع في طرابلس. وأصدر اللقاء بياناً جدد فيه دعوة السلطة السياسية والدولة وقيادة الجيش إلى إثبات حرصهم على أمن طرابلس. وقال: «اللقاء يراقب جدية تطبيق الخطة الأمنية لجهة قمع ارتكابات المجموعة المسلحة في جبل محسن لمصلحة النظامين السوري والإيراني وتهديدها أمن المدينة». وطالب قوى الأمن الداخلي «بالقيام بواجباتها في شوارع طرابلس الداخلية ومساندة الجيش في تطبيق الخطة الأمنية». وكان شربل تفقد المواقع الأمنية في طرابلس. شربل وغصن ورأى شربل في مؤتمر صحافي إثر الاجتماع انه «لا يكفي أن تنأى الحكومة بنفسها عن الأزمة السورية، انما السياسيون جميعاً». وقال: «وصلنا الى حل وهو ان يستمر الجيش اللبناني بتنفيذ خطته وأظن انه خلال 48 ساعة سيتم الانتشار بشكل كامل». وأكد «سقوط 11 شهيداً من الجيش في طرابلس». وقال: «الجيش لديه أوامر بالرد على مصادر النيران والقبض على المسلحين». واعتبر وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال فايز غصن في تصريح، أن «الوضع في الشمال وصل إلى حافة منزلق خطير بعدما أصبح الأمن رهينة بين أيدي أولئك الذين يتلاعبون بأمن الناس وحياتهم، ويستسهلون التعرض للجيش اللبناني مباشرة والاعتداء على عناصره من دون رادع»، مؤكداً أن «الجيش ماضٍ حتى النهاية في إجراءاته الهادفة إلى إعادة الهدوء والأمن، فلا حسابات سياسية يعمل الجيش من أجلها، ولا أهداف تحركه غير المصلحة الوطنية العليا وحماية السلم الأهلي». وأعلن المسؤول الإعلامي في «الحزب العربي الديموقراطي» عبد اللطيف صالح، أن «الحزب سيرفع الغطاء عن أي مخل بالأمن في جبل محسن مهما علا شانه»، داعياً الأهالي إلى «التجاوب مع إجراءات الجيش اللبناني والتحلي بالوعي والحكمة وضبط النفس لتسهيل مهمته». وشدد «تيار المستقبل» في بيان على «التعاون مع الجيش والقوى الأمنية الرسمية لبسط الأمن وسلطة القانون في مدينة طرابلس، وتفويت الفرصة على العابثين بوحدة المدينة تنفيذاً لأغراض خارجية». وأكد أن «الإجراءات التي ينفذها الجيش يجب أن تكون محل ترحيب كل الجهات، خصوصاً إذا جاءت في إطار خطة واضحة لا تقيم أي شكل من أشكال التمييز بين المناطق والمواطنين». وقال مؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ داعي الإسلام الشهال: «مما لا شك فيه وجود عقلاء في الجيش، فالمرجو من هؤلاء المبادرة لتفويت الفرصة على النظام السوري وحلفائه الذين يحاولون جاهدين تسخير مؤسسة الجيش وشرعيتها لمصلحة مشروعهم الإقليمي والدولي». وطالب «الجميع في الجيش وخارجه، بالنظر الى المصلحة العامة وتوخي الحذر والحكمة». ونصح «الشباب في طرابلس وغيرها بألاّ يستنزفوا طاقاتهم وإمكاناتهم».