كشفت جمعية النساء الديموقراطيات أخيراً نتائج الدراسة التي أعدتها حول العاملات في مجال الفلاحة، وجاء فيها تأكيد على «مدى معاناة النساء الريفيات العاملات في القطاع الفلاحي بسبب هشاشة ظروف عيشهنّ وحرمانهنّ من الحق في ملكية الأرض وحتّى السكن. كما تُعاني العاملات في هذا القطاع من التمييز الممنهج على أساس الجنس». وأشارت الدراسة إلى أنّ العاملات في القطاع الفلاحي يعملنَ أكثر من 12 ساعة يومياً لتأمين حاجات عائلاتهن وتوفير السكن اللائق، وهو هدف يصعب تحقيقه لأكثر من 75 في المئة من المستجوبات في هذه الدراسة. وبحسب المعطيات الواردة في الدراسة، فإنّ 61 في المئة من اللواتي يشتغلنَ كعاملات عرضيات أو موْسِميات، في حين تشتغل 28 في المئة منهنّ بصفة دائمة. وعادة، توكل للنساء مهمة الجني (القطاف) وهي المهنة الأكثر شيوعاً في صفوفهنَّ، فضلاً عن قلع الأعشاب الضارة ونثر البذور، وحمل المنتوج ونقل المحصول وتولّي أعمال الحراثة. في المقابل، تعيش عاملات الفلاحة ضغطاً كبيراً في أيام العمل بسبب نشاطهنَّ الميداني وقيامهنَّ بالأشغال المنزلية وتربية الأطفال، ما «يدفعهنَّ لتخصيص ساعتين لا أكثر لحاجاتهنَّ الفيزيولوجية ولإستغلال القليل من الوقت للزيارات العائلية وأداء الصلوات». تقول زينة (38 سنة) متزوجة وأم لأربعة أطفال: «أخرج في ساعات الصباح الباكر لأعود آخر اليوم منهكة غير قادرة على فعل أي شيء بعد أكثر من 10 ساعات من العمل المتواصل في قرية العنب التي تبعد نحو 5 كليومترات عن مكان سكني». وتضيف زينة والعَبْرة تتخلّل كلماتها: «أجاهد كي أجهّز لأبنائي طعامهم وأغسل ملابسهم وأنظّف البيت الصغير الذي يضمّنا، أمّا الراحة فليست مُتاحة بالمرّة لأنني بالكاد أنام 5 ساعات لأستيقظ في اليوم التالي وأعود إلى العمل والتعب والشقاء». أخطار بالجملة ودائماً وفق الدراسة التي أعدتها جمعية النساء الديموقراطيات، تتعرض الريفيات لصعوبات وأخطار عدة للحصول على العمل بسبب هشاشة أوضاعهن وعدم هيكلة مجال العمل في القطاع الفلاحي. وتشير حوالى 90 في المئة من المستجوبات إلى أنهنَّ اخترن هذا العمل إرادياً بسبب صعوبة الظروف المعيشية والمشاكل المالية لهنّ ولأسرهنّ. وإضافة إلى التمييز على أساس الجنس في العمل الفلاحي، تُواجه عاملات هذا القطاع في الريف صعوبة في ظروف التنقّل. فتضطر غالبيتهن اجتياز مسافات تتراوح بين 5 و20 كيلومتراً للوصول إلى العمل عبر شاحنات أو بواسطة جرارات، وهي مركبات غير مهيّئة أصلاً لنقل الأشخاص. وشهدت محافظة نابل (جنوب) في أيلول (سبتمبر) الماضي حادث مرور راح ضحيّته ثلاث نساء وجرحت عشر أخريات كنَّ في طريقهنَّ صباحاً إلى العمل، إثر اِنزلاق شاحنة كانت تقلهن. وهو ليس الحادث الوحيد ولكن يكون الأخير حتماً، ما يزيد في تأزّم الحالة المالية والاجتماعية لعائلات بعد فقدان مصدر الرزق الوحيد، لأن جُلَّ أفرادها لا يتمتّعون بالتغطية الإجتماعية أو التأمين. وتستمر مأساة الحوادث المرورية التي تتسبب غالباً بحالات وفاة في صفوف عاملات القطاع الفلاحي، بسبب الحمولة الإضافية للسيارات التي تقلهنّ من دون أن تكون هناك أية رقابة من قبل السلطات. تتحدّث ربيعة (53 سنة) أرملة ولها بنتان، عن مأساتها قائلة: «قبل سنتين توقفت نهائياً عن العمل في الفلاحة جرّاء حادث جعلني ألزم الكرسيَّ المتحرك الذي تبرّعت لي به إحدى الجمعيّات، كي أتمكن من التنقل بيسر». وتتابع: «اليوم لا قدرة لي على العمل واضطرت إحدى بناتي إلى الإنقطاع عن الدراسة والتحقت بمصنع قريب من مسكننا كي توفّر لنا القوت». وتبقى مشاكل النساء العاملات في قطاع الزراعة قائمة في ظل حكومات متعاقبة لم تلتفت لهذه الفئة ولم تولها إهتماماً. وإنّ كان مرشّحون للإنتخابات يسعون لكسب ودّهنَّ طمعاً بأصواتهنَّ، إلاّ أنّ ذلك لم يغيّر شيئاً في أحوالهن المهترئة والمقلقة التي تنتظر تدخّلاً سريعاً وفاعلاً وليس وعوداً وكلاماً.