عندما سئل وزير حماية الجبهة الداخلية في الحكومة الاسرائيلية، جلعاد اردان، هل يرى تحليق الطائرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية عملاً استفزازياً قد يجر المنطقة الى تصعيد حربي، رد بغطرسة كغيره من القياديين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين، ان من حق الجيش الإسرائيلي القيام بكل عمل يراه مناسباً لضمان أمن وحماية إسرائيل ومواجهة الخطر المتواصل من الصواريخ السورية. وبرأي أردان فإن تحليق الطيران في الأجواء اللبنانية وأي عمل آخر يقوم به الجيش يشكل حاجة ضرورية لمواجهة خطر الصواريخ ومنع نقلها الى «حزب الله» وتنظيمات معادية، كون نقل هذه الأسلحة سيغير خريطة التهديدات التي تتعرض لها إسرائيل. وتصريحات أردان هذه تعكس موقف الحكومة الإسرائيلية ووزرائها وفي مقدمهم رئيسها بنيامين نتانياهو، الذين لا يكاد يمر عليهم يوم إلا ويطلق أحدهم تهديداً جديداً تجاه سورية ولبنان، وسرعان ما تتحول القيادتين العسكرية والسياسية الى قيادة واحدة تعزف على الوتر ذاته الملتهب وتثير حالاً من الخوف والرعب، وصلت الى حد ان يصدر نتانياهو تعليمات لقيادة الجيش بضمان توفير كمامة واقية من الكيماوي لكل إسرائيلي، وتحصيل الموازنة لذلك حتى وإن اضطر الإسرائيلي الى تحمل تكاليف الكمامة أو فرضت عليه ضريبة جديدة «ضريبة الكمامة». هذه الأجواء آخذة في التصاعد مع كل يوم تصدر فيه معلومات جديدة عن تزويد سورية بصواريخ «اس-300» وطائرات «ميغ 29» الروسية ما دفع بجنرالات وضباط إسرائيليين الى القول إن ما تثيره قيادة الجيش الإسرائيلي مجرد غطرسة واستفزاز وافتعال مشاكل تنطلق بمعظمها من منظور مصالح شخصية ضيقة لقيادة سلاح الجو الإسرائيلي. والحقيقة أن ما وصفه أولئك الجنرالات الإسرائيليون ينطبق ايضاً على مجمل سياسة الجيش تجاه الأوضاع التي تشهدها المنطقة، ولا تقتصر على الملف السوري. فمنذ ان انتهت حرب لبنان الثانية عام 2006، والقيادة العسكرية تلوح بالحرب المقبلة وخطر التهديدات المتصاعدة تجاه إسرائيل. ومع بداية الربيع العربي، تصاعدت حملة التخويف والترهيب وسجلت رقماً قياسياً مع تصعيد الأزمة السورية والموقف الروسي – الإيراني، الداعم للرئيس بشار الأسد ونظامه. فواصلت حملة استعراض قدراتها الدفاعية والهجومية، في مقابل الترويج لمخاطر متصاعدة حتى وصل الوضع لدى بنيامين نتانياهو، الى حد القول في تلخيصه مناورة «نقطة تحول-7»، إن إسرائيل باتت أكثر الدول عرضة للتهديد في العالم بل إنها الوحيدة المهددة بالصواريخ. حديث نتانياهو هذا جاء في سياق الحديث عن صفقة الصواريخ الروسية «اس-300» وما أعلنه الرئيس السوري من أن الدفعة الأولى من هذه الصواريخ وصلت الى سورية وفي المقابل التصريحات الروسية التي أوضحت أنها لم تتجاوب مع مطلب نتانياهو ولم تخضع لتهديداته بضرب هذه الصواريخ أذا وصلت الى سورية. صواريخ قديمة التحذيرات التي أطلقها جنرالات وخبراء تأتي من باب عدم الثقة بالقيادة السياسية الإسرائيلية، وبالتحديد المجلس الوزاري الأمني المصغر، صاحب القرار. فهناك من يرى فيهم «سياسيين من دون تجربة، وأي قرار او موقف يتخذونه لا يكون موقفاً استراتيجياً» وبأن «هذه القيادة ضعيفة الى حد يمكنها أن تنجر خلف قائد في الجيش يحمل أجندة ذاتية مثل قادة سلاح الجو» وتقود حملة تخويف وتتخذ قرارات قد تساهم في تصعيد الأوضاع الأمنية وتقود الرئيس السوري بشار الاسد، الى حرب لا يريدها. وتحذير الجنرالات كان جانباً من تحذيرات وتوضيحات من خبراء ومختصين، حاولوا تهدئة الأجواء التي أثارتها القيادتان السياسية والعسكرية في أعقاب الحديث عن صفقة صواريخ «أس-300». فمنهم من سعى الى تهدئة الأوضاع عبر تقديم المزيد من الشرح عن منظومة «اس-300» والقول إنها «صواريخ قديمة تبلغ من العمر عشرين عاماً» وإن «الجيش الروسي يريد التخلص منها بسرعة حتى يدخل إلى عتاده صاروخ «أس 400» المتطور أكثر». وحذر هؤلاء من سياسة الترهيب والغطرسة التي تمارسها قيادة الجيش، مشيرين الى ان الصاروخ البحري «ياخونت»، الذي سبق وحصلت عليه سورية من روسيا، يشكل تهديداً أكبر لإسرائيل من صواريخ «اس-300». والصواريخ القديمة هذه، وفق تعريف خبراء، كانت تحت تصرف سلاح الجو الإسرائيلي في تدريباته المشتركة التي أجراها في قبرص وجزيرة كريت بالتعاون مع سلاح الجو اليوناني الذي يملك هذه المنظومة. أما خبير الأسلحة في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، يفتاح شابير، فقد أكد أن هذه الصواريخ تحتاج إلى ستة شهور حتى تصبح خطرة على إسرائيل، وربما تحتاج إلى سنة. وأشار الى أنه حتى وإن وصلت الدفعة الأولى من هذه الصواريخ فذلك لا يعني أن بإمكان الجيش السوري استخدامها. وفي سياق محاولته تهدئة الأجواء التي أثارتها القيادة الإسرائيلية قال إن تركيب الصواريخ يتطلب وصول الكمية الكاملة منها كما يحتاج الأمر وصول خبراء روس لتدريب السوريين عليها، وحتى تستكمل هذه الإجراءات، يقول شافير، «يحتاج السوريون الى سنة ليعلنوا دخول هذه الصواريخ الى المرحلة العملانية». ووفق ما يعلن الإسرائيليون فإن المعلومات تشير الى ان السوريين سيحصلون على ست منظومات مركبة من ستة رادارات وست قاطرات قيادة. وفي كل منظومة اثنتا عشرة قاعدة إطلاق. فستتسلم سورية في الحاصل العام 144 صاروخاً – أي صاروخين لكل قاعدة إطلاق. والحديث عن منظومات كبيرة غير منظمة. كل صاروخ منها طوله 9 إمتار ويزن طنين اثنين، ما يعني انه لا يمكن تحريكها بشكل سري. واعتبر معظم التحذيرات أن إثارة أجواء التخويف والتهديدات المتواصلة قد تدفع المنطقة الى تصعيد حربي لا يريده أي طرف. أما الرئيس السوري، بشار الاسد، فيجمع الإسرائيليون انه اليوم، ليس الأسد الذي خاض المعركة قبل عامين وكان الخطر عليه أكبر. آنذاك راهن الجميع على قدرة صموده وتمسكه بالحكم. وأصحاب هذا الموقف يشككون حتى في تهديداته الأخيرة تجاه اسرائيل عندما أعلن انه سيرد في حال تكرر قصف سلاح الطيران الإسرائيلي في سورية، ليس من منطلق ضعفه إنما عدم قيامه بمغامرة وفتح جبهة حرب جديدة. ووفق خبير الشؤون السورية – اللبنانية، إيال زيسر، فإن الأسد نجح على مدار العامين في دفن التأبينات الكثيرة التي قيلت بحقه لدرجة أن الكثير من المراقبين عادوا ليطرحوا إمكانية أن يخرج متفوقاً من الصراع الدموي. وبأن نظامه ما زال يقف على قدميه. وقد نجح في الحفاظ على وحدة الصف في أوساط العناصر الأساسية التي يعتمد عليها. وقال إن الجيش وقوات الأمن وأجهزة الحكم وحزب البعث، كل هذه لا تزال تقف خلفه، على رغم الأضرار الشديدة التي تكبدتها وعلى رغم موجات الفرار من صفوفها. وفضلاً عن ذلك، يضيف أيال زيسر، ان النظام لا يزال يتمتع بالدعم في أوساط أجزاء مهمة من المجتمع السوري، ولا سيما من تحالف الأقليات الذي يقبع في أساس حكمه أبناء الطائفة العلوية وإلى جانبهم ايضاً الطائفتان الدرزية والمسيحية وحتى قسم من ابناء الطائفة السنية، بمن فيهم ابناء الطبقة الوسطى والنخب في المدن الكبرى. كما ان السنّة من مناطق الريف، المناطق التي تشكل اليوم بؤر الاشتعال في سورية، الذين انخرطوا في صفوف النظام ويؤدون فيه وظائف عليا، بقوا في معظم الحالات موالين للنظام. وإضافة الى ذلك، يتمتع النظام السوري بدعم قوي ذي وزن في الساحة الاقليمية والدولية، خصوصاً روسيا وايران. وفي مقابل حملة أصحاب هذا النهج يضع الإسرائيليون خريطة سياسية مختلفة للوضع في سورية اليوم، يحذر معدوها من التعامل معها باستهتار ويدعون الى أخذها بالحسبان في أي قرار يتخذ تجاه سورية وتتمثل في أن الأوضاع المتفاعلة في الملف السوري تعود الى مصلحة الأسد ونظامه. وفق رؤية الإسرائيليين للخريطة السورية فإن الصراع على دمشق العاصمة في ذروته وذلك لأن النظام لم ينجح في اقتلاع الثوار من المناطق الريفية المحيطة بالمدينة ومن الجولان وجبل الشيخ. في المقابل، يرى الإسرائيليون أن في مصلحة النظام تلعب حقيقة أن جبل الدروز في الجنوب واقليم العلويين في الشمال ومعه منطقة الشاطئ، بقيت خارج مناطق النزاع. وكذلك الأمر مركز العاصمة دمشق ومركز مدينة حلب. ويواصل النظام الاعتماد على تأييد الجيش وقوات الأمن وأجهزة الحكم المختلفة التي بقيت صامدة خلفه على رغم الضربات التي تعرضت لها. ووفق الإسرائيليين فإن الصراع في سورية قد يستمر لزمن طويل، لأن النظام السوري يقاتل في سبيل حياته وتحت تصرفه لا تزال مصادر هائلة ودعم لا بأس به. ولأن الجيش السوري لم يتفكك وأجهزة الحكم المختلفة لا تزال تؤدي مهماتها. لكن السؤال الذي لا يمكن لأي طرف اسرائيلي الرد عليه ولا يمكن اعتماده في اي قرار يتخذ او خريطة سياسية ترسم لسورية، هو: هل سيواصل المتمردون التقدم، وإن كان بصعوبة، نحو إسقاط الأسد، أم أن النظام هو الذي سينتصر في المعركة في ضوء الضعف البنيوي للمتمردين وفشلهم في توحيد الصفوف وكذا التعب واليأس من تحقيق الهدف.