تزهر أوراق شجرة العبقري صلاح جاهين، فيخرج منها شعراء ومغنون. يحمل حفيده عمر جاهين كثيراً من نقائه وعذابه وأرقه وفرط إنسانيته. موهوب وحالم وثوري، تلقى علوم الموسيقي الكلاسيكية وهو صبي في مركز القاهرة للموسيقى حيث تعلم العزف على البيانو وعشق بيتهوفن وموتسارت ولِيست وشوبان. دخل عالم التلحين قبل بلوغه 13 سنة من عمره، بعدما ألمّ بأصول المقامات الشرقية، ومن ثم تخرج في معهد الفنون المسرحية كممثل وشارك في فيلمي «أوقات فراغ» و «الغابة» بدورين صغيرين، وفي مسلسل «عرفة البحر». منذ بضعة شهور، كوّن عمر جاهين فرقة غنائية من عائلته، سماها «لمبة جاز» نسبة إلى موسيقى الجاز، لكن الصحف المحلية والناس أخذوا المعنى القريب للكلمة، أي الأداة التي تستخدم في الإنارة. يقول الفنان الشاب: «قصدت الجمع بين موروث شعبي، وآخر ينم عن نوعية الموسيقى التي أبحث عنها لطرح صوت موسيقي جديد». وأثار الاسم دعاية للفرقة التي ولدت محلقة حول طيف جاهين، الشاعر والسيناريست والممثل والفيلسوف ورسام الكاريكاتور، فقدمت على اسمه بضع حفلات في شكل أمسيات شعرية – غنائية – موسيقية. يلقي والد عمر، الشاعر بهاء جاهين بصوته القوي وإحساسه المفجع مقاطع من رباعيات جاهين الأب، وتتداخل معه الابنة الثانية سامية بألقها وهي تؤدي شعراً وغناء، ومعهما الاختان حنان وفاطمة، تقومان بالدور نفسه وإن كان للغناء مساحة أكبر. ويقدّم الأخ محمد عادل دوراً يشبه دور الراوي في المسرح اليوناني، فيتبادلون الحكايات والرباعيات ويتبارون في تبادل الأدوار، وتأخذ الفرقة الموسيقية مكانها، عمر على البيانو ويشارك بالغناء أيضاً، وخلفه عازفو القانون والعود والإيقاع والكمان. عملت الفرقة بجهد قبل الحفلة الأخيرة في دار الأوبرا، وحدثت بعض التغييرات في إعداد العرض عن الحفلات السابقة لجهة القصائد والغناء، وأعطيت الرباعيات مساحة أكبر على حساب أغاني الفرقة، لأن المناسبة كانت الاحتفاء بذكرى صلاح جاهين. يقول عمر: «يهمني احتضنان مجموعة من الموهوبين، يملكون حساً ووعياً كبيرين تجاه المشروع الذي نهدف إليه، أكثر من كونهم محترفين، وأسعى إلى ضم عازفين لآلات النفخ النحاسية ومغنين، ولكن الجانب المادي يحول دون ذلك، خصوصاً أن مجال الفرق المستقلة لا يعود عليها بعائد مادي كبير تستطيع من خلاله التصرف والانطلاق». ويضيف: «أبحث عن توليفة جديدة في محاولة مزج الكلاسيك بالشرقي الذي أعشقه والخروج بصيغة تصب في إثراء تجربتي على طريق تطوير موسيقانا»، معرباً عن غضبه ورفضه وقوع معظم الفرق المستقلة في تقليد الشكل الأميركي والغربي ليس في الموسيقي وإيقاعاتها وآلاتها وحسب، إنما في طريقة الغناء الذي لا يستقيم عربياً في هذا الشكل. يتوقف صاحب «اللمبة» عند قالب الرباعيات التي صال فيها جده وجال، ويراها تحدياً في أن يعبر الملحن عن حال شعورية وفكرة فلسفية في أربعة أبيات محكومة بنسق لفظي وإيقاعي، وتغدو أغنية لها شكل وقوام. ويقول: «كتب جاهين حوالى 120 رباعية لحن منها الراحل سيد مكاوي رفيق دربه وشريكه الموسيقي 20، وهي التي غناها المطرب علي الحجار، ولذلك لم أقترب منها، أما رصيد الفرقة فهو أربع أغان من تأليف بهاء جاهين، وأغنية للشاعر أحمد مطر في عنوان «زار الرئيس المؤتمن»، ومجموعة من تأليف الشاعر إسلام لطفي أحدثها موجهة إلى الرئيس محمد مرسي وتحتوي على رصد لوقائع وحقائق من الشارع ونحاول تصويرها بطريقة الفيديو كليب». يحلم جاهين بالمسرح الاستعراضي ويتذكر تقديم جده مسرحية «انقلاب» على مسرح جلال الشرقاوي لأنه غار من احتكار الرحابنة هذا الفن، ولكن حلم عمر بأن يكون المسرح شعبياً يضم خيال الظل والأراجوز ومسرح العرائس. وعن تجربته التمثيلية يقول: «أفادتني في محاولاتي كملحن، فكان التقمص هو أسلوبي والتعبير درامياً عن معنى الكلام وما وراءه من مرام، أكثر من وضع لحن جميل ، وكان أكثر ما يثير غيظي في الأغاني التي تبثها الإذاعة وغيرها أن يكون الكلام حزيناً بينما الموسيقي فرحة، أي غارقة في الإيقاعات الراقصة».