لم يرق إعلان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن صحة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لا تبعث على القلق، لدوائر سياسية وحتى لبعض الجهات الرسمية في الجزائر نظراً إلى غياب صدور تصريحات دورية من الحكومة الجزائرية تشرح طبيعة مرض بوتفليقة ومدى تماثله للشفاء بعد مرور شهر ونيف على نقله إلى فرنسا للعلاج من وعكة صحية ألمّت به. وكلما مر يوم آخر على غياب الرئيس الجزائري عن البلاد يبرز «همس» سياسي جديد حول تحالفات مستقبلية بخصوص مرشحين مفترضين لرئاسة الجمهورية في حال اضطرت الجزائر إلى إجراء انتخابات سابقة لأوانها. لكن السلطات الجزائرية تؤكد حتى الآن أن صحة بوتفليقة تتحسن وانه يقضي فترة نقاهة في العاصمة الفرنسية بعد خروجه من مستشفى فال دو غراس بضواحي باريس. وكان الرئيس الفرنسي هولاند قال في تصريحات الجمعة لوسائل إعلام فرنسية إن الرئيس بوتفليقة «في طور التعافي والنقاهة» في مركز صحي بباريس. وتابع: «ليس مهمتي إصدار نشرة صحية للرئيس الجزائري وأتمنى أن يعود إلى بلاده قريباً». ولم يقل هولاند إن كان زار بوتفليقة من دون إعلان ذلك رسمياً، أم أنه استقى معلوماته من جانب جزائري أم من جهة فرنسية. وعندما سئل هولاند إن كان يعرف متى سيعود بوتفليقة إلى بلده، رد «إنه هو وحده من يقرر متى سيعود إلى الجزائر». كما سئل إن كان يتوقع دخول الجزائر في دوامة من الفوضى وعلاقة ذلك بالوضع الصحي للرئيس أو بمرحلة ما بعده، أجاب: «لا أعتقد (أن) دخول الجزائر في فوضى له علاقة بهذا الوضع، لأن المؤسسات في الجزائر لها متانة كبيرة». وفي حين تنتهي الولاية الثالثة للرئيس الجزائري - الذي يحكم البلاد منذ 1999 - في 2014، قال هولاند إنه لا يرى خطراً على الجزائر بسبب ما يجري من أحداث وتقلبات في العالم العربي. وأكد أن المؤسسات الجزائرية قوية وأن على الجزائريين تحديد مستقبلهم، مشيراً إلى أنه يثق في العملية الانتخابية المتوقعة في 2014. لكن دوائر سياسية وإعلامية جزائرية انتقدت قيام جهات فرنسية بتقديم معلومات عن المستجدات الصحية لمرض بوتفليقة في مقابل «عدم شفافية» الحكومة في التعاطي مع غيابه. وفسّر بعض المصادر الخرجات الإعلامية الفرنسية بين الحين والآخر في شأن صحة بوتفليقة بأنها تتم بناء على طلب من الحكومة الجزائرية نفسها التي يبدو أنها تعاني من «نفور» شعبي في تصديق روايتها لمرض رئيس الجمهورية وتجاوبه مع العلاج الذي يخضع له. وكان بوتفليقة نقل إلى مستشفى «فال دو غراس» في نيسان (أبريل) الماضي بعد تعرضه ل «جلطة دماغية» قيل رسمياً إنها عابرة ولم تترك آثاراً، فيما أعلن وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي قبل أسبوع في أديس أبابا أن «الرئيس سيعود قريباً إلى الجزائر». وجاء تصريح الرئيس هولاند عن الوضع الصحي لبوتفليقة بعد يوم واحد فقط من تصريح وزير خارجيته لوران فابيوس إلى «إذاعة فرنسا الدولية» حيث أجاب عن السؤال نفسه: هل الوضع السياسي في الجزائر يقلقكم؟ فرد: «الجزائريون أسياد في خيارهم». وأضاف بخصوص متابعته للوضع الصحي لبوتفليقة: «لقد أصدرنا بياناً عندما عولج الرئيس بوتفليقة في فال دو غراس ... إنه اليوم في النقاهة في مؤسسة أخرى... أما بالنسبة إلى الحالة الطبية البحتة، فهي تخضع لمبدأ السرية الطبية». وانتقدت حركة مجتمع السلم ذات المرجعية الإسلامية تكفّل الفرنسيين بنقل أخبار رئيس الدولة. وقال رئيس الحركة عبدالرزاق مقري أمس: «بغض النظر عن التداوي خارج الوطن، يحزّ في أنفسنا عدم وجود مستشفيات جزائرية موثوق فيها بعد 50 سنة من الاستقلال». بيد أن الغياب الطويل لبوتفليقة (أكثر من خمسة أسابيع) بدأ في جعل مظاهر «التدافع» السياسي تبرز شيئاً فشيئاً على نحو يشير إلى أن مسألة البحث في خلافة بوتفليقة قد بدأت رسمياً. وتفيد مراجع على علم بتحركات شخصيات في السلطة ومسؤولي أحزاب سياسية أن تحالفات بدأت تتشكل حول شخصيات بارزة مرشحة لدخول معركة خلافة بوتفليقة في حال قرر التنحي قبل إكمال ولايته أو لم يسمح له وضعه الصحي بمواصلة ولايته الثالثة. ويستعجل بعض الأحزاب اللجوء إلى الدستور لبت مسألة انتقال السلطة، إلا أن نافذين يعتقدون أن الوقت غير مناسب لذلك ويحتاج إلى تأكيد فرضية عجز الرئيس عن القيام بمهماته، وهو أمر تنفيه الحكومة في شكل قاطع.