الرباط – بوشعيب النعامي أمريكا تراقب.. وقوات للمارينز تحط الرحال في قاعدة مولون بإشبيلية الإسبانية. احتمال وقوع انقلاب عسكري مغلف بغطاء دستوري أو تمرد مكشوف. من إبريل 1999 إلى إبريل 2013 يتشكل الامتداد الطبيعي لوجود الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سدة الحكم في الجزائر، ولا ندري هل هي صدفة أن إبريل له حكاية مع إصابة الرئيس الجزائري بجلطة في الدماغ؟ المغرب وبحكم الجوار الجغرافي والصراع التاريخي يضع عينه اليمنى على أوضاعه الداخلية فيما عينه اليسرى تراقب بشكل دقيق تطورات الأوضاع لدى جارته الجزائر، لأن أي تغيير سيمس أفقياً وعمودياً سياسته الخارجية حتى لا نقول إستراتيجيته الإقليمية، ومن هذا المنظور يراقب الشارع المغربي ليس الرسمي فحسب وإنما الشعبي أيضاً ما يقع في الجزائر لاعتبارات جيوسياسية في المقام الأول. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن مرض الرئيس بوتفليقة وليست المرة الأخيرة التي سيتم فيها تداول الخبر على اعتبار أن الأوضاع في الجزائر، لم تعد خافية على أحد، فحتى البيانات التي أصدرتها رئاسة الحكومة منذ إصابة الرئيس بجلطة في الدماغ، وإعلان نقله إلى فرنسا، والتأكيد على أن حالته مستقرة ولاتدعو إلى القلق، لكن بالعكس هذه كلها مؤشرات تدعو للقلق خاصة في ظل الصراع المكشوف بين مؤيدي بوتفليقة ومعارضيه. في دائرة الشك وكشفت مصادر مطلعة ل «الشرق» أن الإعلان عن استقرار صحة بوتفليقة، ما هو في حقيقة الأمر سوى محاولة لعدم اللجوء إلى مقتضيات المادة 88 من الدستور التي تلزم المجلس الدستوري الجزائري بالاجتماع لإثبات «حقيقة المانع الصحي» بكل الوسائل والاقتراح على البرلمان بالتصريح بثبوت المانع. ويرى قطاع واسع من الرأي العام الجزائري، أنه لم يتم التعاطي مع حالة بوتفليقة الصحية الموجود حالياً بمستشفى «فال دوغراس» في باريس والمعروف بتكتمه بالكشف عن المعطيات الصحية للشخصيات العامة والبارزة، لم يتم التعامل بالشفافية اللازمة مع الوضع الصحي للرئيس، وأن المؤسسة العسكرية من خلال ذلك تتطلع إلى التحكم في انتقال محسوب على الأقل من رئيس موالٍ لها إلى آخر لن يسحب من تحتها بساط مراقبة الأوضاع في البلاد إن لم نقل التحكم في سياساتها الداخلية والخارجية ، حيث يجري الحديث داخل الصالون السياسي في المنطقة عن الرئيس الأسبق لامين زروال على الرغم من تصريحاته الأخيرة التي قال فيها إنه غير معني بالرئاسيات المقبلة، وهي إشارة معكوسة بحسب المراقبين لأن طرح اسمه يشكل بالون اختبار في هذه الفترة بالتحديد. أطراف أخرى ترى أن التكتم الشديد على مستقبل بوتفليقة السياسي يشكل إشارة ضمنية على أن الجزائر دخلت فعلياً دائرة الشك، وأن نسائم الربيع العربي أقرب من أي وقت مضى إلى بلد المليون شهيد، خاصة وأن كل الظروف ملائمة لتفجير الوضع من الداخل، على الرغم من التطمينات الرسمية من أن البلاد تسير وفق وتيرتها المعهودة. أمريكا على الخط تقارير أمريكية حذرت من انفجار الأوضاع في الجزائر، ويتم بشكل سري وفي دائرة صغيرة جداً، تداول الأنباء حول تمركز قوات أمريكية تنتمي للمارينز في قاعدة مورون بمدينة إشبيلية الإسبانية، حيث تم الربط بين هذه المستجدات والأوضاع في الجزائر على الرغم من أن إدارة البنتاغون نفت ذلك. مصادر سياسية طالبت «الشرق» بعدم إثارة اسمها لحساسية الموضوع ، ترى أن الوجود الأمريكي في هذه الظرفية الدقيقة وعلى مسافة غير بعيدة عن المنطقة المغاربية يؤكد بالواضح أن الجزائر أمام برميل بارود، قابل للاشتعال في ظل الفراغ الذي تشهده البلاد بسبب غياب الرئيس أولاً ثم لاعتبارات اجتماعية ثانياً، وإقليمية ثالثاً. فالجزائر تعيش على وقع الاحتجاجات في الجنوب للمطالبة بالعمل والشغل خاصة إذا علمنا أن الجيل الجديد لم يشارك في الانتخابات البرلمانية الجزائرية الأخيرة، وتحديداً أبناء الجنوبالجزائري الذين لم يستفيدوا من رفاه النفط، لأن شركة النفط الجزائرية «سونطراك» لديها 55 ألف موظف أغلبهم أجانب من 34 مليون جزائري، زد على ذلك حجم التراشق السياسي الداخلي على خلفية ملف الفساد الأكبر في البلاد المتعلق بالشركة العمومية الجزائرية «سونطراك». صراع مكشوف وفساد بقعة الزيت لا تتوقف عند هذه المعطيات بل هناك صراع علني تجاوز قصر مرداس الرئاسي حين أخرج تحالف سياسي مع الجيش أوراقاً متعددة من ملفات الفساد لمحاصرة «بوتفليقة» ومنها ملف شقيقه «سعيد بوتفليقة» الوزير المستشار وهو أقرب مقربيه أو عين السُلطان كما يوصف، حيث اضطر إلى إقالته بضغط من الجيش. مقابل ذلك أخرج «بوتفليقة» ملف الفساد داخل شركة «سونطراك» التي هي دولة داخل الدولة الجزائرية، و طرح ملف تعديل الدستور، قبيل إصابته بالجلطة الدماغية، في محاولة منه لإزاحة سلطات العسكر. ومن هنا يبدو حجم الإشكال الذي يجعل الجزائر حالياً في الواجهة، حيث تبقى مرشحة للانفجار لاسيما وأنها تجاور البلدان التي عاشت بشكل مكتمل الربيع العربي مثل تونس وليبيا ومصر. مؤشر على بداية انقلاب نقطة أخرى لا تقل أهمية عن كل ما سلف، وهي أن الجزائر تعيش تحدياً آخر نتج عن احتضانها لحركات متطرفة كأنصار الدين ودخول قيادات التوحيد والجهاد ومقاتلين إلى مناطق «تمنراست»، هذا بالإضافة إلى وجود مقاتلين إسلاميين في الحدود الليبية الجزائرية إضافة إلى المخاطر الداخلية والخارجية المقبلة من جنوب مالي وعلى الحدود مع تونس وليبيا، وهو ما يجعلها مفتوحة على كل الاحتمالات والمغامرات، مما يجعل من الصعب عليها اليوم أن تستمر في قبول غياب «بوتفليقة». وبرأي المتتبعين للوضع الجزائري فإن انقلاباً صامتاً يجرى الإعداد له في الكواليس للإطاحة بالرئيس بوتفليقة، حيث فسرت خروج رئيس مجلس الأمة (البرلمان) إلى الواجهة في الأسابيع الأخيرة على أنه مؤشر على بداية هذا الانقلاب، باعتبار أن رئيس مجلس الأمة هو الشخصية الثانية التي يعطيها الدستور صلاحية تسيير البلاد لمدة محددة، في حالة وجود مانع صحي للرئيس قابل للإثبات، وهو ما يسعى إليه تيار داخل المؤسسة العسكرية وتيارات سياسية مدنية. مؤشرات انزلاق أمني كما أن تصريحات منافسي الرئيس تذهب في اتجاه تغييب بوتفليقة عن تسيير شؤون البلاد وعدم إكماله ولايته الرئاسية التي تمتد إلى شهر إبريل من عام 2014 ، حيث يستبعدون عودته للمنافسة على الرئاسة بسبب حالته الصحية. يقول عبد الله جاب الله المرشح الأسبق لرئاسيات 2004 ورئيس جبهة العدالة والتنمية: «إنه من أهم علامات إيثار المصلحة العامة والشعور بثقل المسؤولية، هو ألا يتقدم الرئيس بوتفليقة أصلاً لسباق الرئاسيات، إن رأى نفسه عاجزاً عن القيام بواجبه فالشعب يعرف أن الرئيس ومن الناحية العملية في حالة مرض والأفضل له وللأمة أن يبعد نفسه». وفي الاتجاه ذاته ذهب لجهيد يونسي، وهو أحد الذين ترشحوا لرئاسيات 2009 ، حيث أكد «أن المشكلات تعقدت وتسارعت وتيرتها وأوشكت على التشابك، وبإمكانها أن تؤدي بالبلاد إلى الهلاك، مع بروز مؤشرات انزلاق أمني مع شيوع التراشق بملفات الفساد. ويتضح أن الملف الجزائري مفتوح على احتمالين: إما انقلاب عسكري مغلف بغطاء دستوري يمنح السلطة لرئيس مجلس الأمة مؤقتاً في انتظار ترتيب البيت والإعداد لانتخابات سابقة لأوانها، وإما تمرد على الدستور من خلال العودة بأحد القيادات العسكرية لمنصب الرئاسة. وبين الاحتمالين تبقى الجزائر على كف عفريت في ظل غياب الرئيس بوتفليقة الذي سيكون مطالبا بالتخلي عن كرسي الزعامة، وأن يخرج مرفوع الرأس بمبرر المرض وإما أن الأوضاع الداخلية ستعجل بالإطاحة به ليضاف إلى قائمة من أسقطتهم نسائم الربيع العربي. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع بوتفليقة أثناء زيارته الجزائر في 20 ديسمبر 2012 المستشفى العسكري «فال دو غراس» في باريس الذي يعالج فيه الرئيس الآن وكان أجرى فيه فحوصات طبية عام 2006 (أ ف ب)