في الخطاب الذي ألقاه السيد حسن نصرالله، أمين عام «حزب الله» في بلدة مشغرة، دعا التكفيريين الى منازلته في سورية، لأنه لا يرغب في نقل الحرب الى لبنان. أول ردّ فعل على الخطاب، الذي ألقي بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، جاء من منطقة عاليه عبر صاروخين من نوع «غراد» سقطا في محلة مار مخايل في الشياح. وكان من الطبيعي أن تتباين اجتهادات المعلّقين على هذا الحادث، الأمر الذي أشاع البلبلة بين المواطنين اللبنانيين. مسؤول العلاقات العربية في «حزب الله»، الشيخ حسن عزالدين، اتهم اسرائيل بالوقوف وراء هذه العملية الغامضة بهدف استجلاب الفتنة الى البلاد. كذلك اعتبر عضو كتلة «التنمية والتحرير» النيابية، قاسم هاشم، أن الغرض من وراء إطلاق الصاروخين إحداث فتنة طائفية. في المقابل، لم يستبعد عضو كتلة المستقبل النيابية، خالد الضاهر، ضلوع «حزب الله» في عملية استهداف الضاحية الجنوبية من أجل شدّ عصب الشارع الشيعي وحضّه على حماية مكاسب المقاومة. وكان من المتوقع أن تركز تناقضات التحاليل على الموقع الذي أطلِق منه الصاروخان، أي من قرب بلدة عيتات حيث يمتد نفوذ وليد جنبلاط. ويبدو أن فكرة الربط بين موقع الانطلاق والهدف المطلوب ظهرت في محاولة افتعال صدام مسلح بين «حزب الله» وجماعة وليد جنبلاط. ومثل هذا الصدام – إذا حصل – يضطر الحزب الى فتح جبهة ثانية تغرقه في أوحال لبنان. وقد استخدمت الجهة المجهولة السلاح الصاروخي الذي يملك «حزب الله» ترسانة ضخمة منه. والغاية من وراء ذلك إيهام اللبنانيين بأن ثمن الاعتراض على خوض معركة القصير الى جانب قوات بشار الأسد، ربما ينتهي بمعركة شبيهة بمعركة 7 أيار (مايو) 2008. وكما أثارت صواريخ «حزب الله» في حرب صيف 2006 اهتمام اسرائيل والدول الغربية... كذلك تثير الصواريخ التي وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتسليمها الى حليفته سورية غضب اسرائيل والدول الاوروبية. وقد تزامن صدور القرار الروسي مع القرار الذي اتخذته دول الاتحاد الاوروبي بضرورة تسليح المعارضة السورية. والمؤكد أن وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ لعب دوراً كبيراً في إقناع دول الاتحاد بأهمية هذا القرار الذي تأجل تنفيذه منذ أيار 2011. واعتبر وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف أن موقف الاتحاد الاوروبي يشكل خرقاً للقوانين الدولية، ويمهد لنسف التسوية التي اتفقت عليها موسكو مع واشنطن. في لقائه الأخير مع بنيامين نتانياهو، شدد بوتين على ضرورة الامتناع عن القيام بأعمال من شأنها أن تفاقم الأوضاع الخطرة في سورية. وكان بهذا التحذير يشير الى الغارة الاسرائيلية على مواقع سورية، الأمر الذي يساعد على إضعاف نظام الأسد. وفي هذا السياق، أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن الادارة الاميركية تلقت معلومات من اسرائيل تفيد بأن الصفقة مع سورية ستنفذ قريباً. وتشتمل على نقل ست منصات إطلاق صواريخ من طراز «اس-300.» وهي طراز متقدم من منظومة صواريخ للدفاع الجوي طوِّرت في نهاية سبعينات القرن الماضي. ثم جرى تطويرها مرة ثانية في التسعينات. ومن ميزاتها الدقة في إصابة الأهداف على بعد مئتي كلم. وبما أنها تُحمل على سيارات ضخمة متحركة، فإن إصابتها وتدميرها يصبحان أمراً صعباً. تقول معلومات «البنتاغون» إن قرار تسليم سورية وإيران منظومة من هذا النوع تم عام 2007، وإنما وافقت موسكو على تأخيرها لغاية عام 2010 بناء على طلب اميركا وإسرائيل. الخبراء الروس يدعون أن امتلاك منظومة صواريخ «اس-300» من جانب سورية يحول دون مهاجمة الأراضي السورية من الجو، كما حدث منذ مدة قصيرة. وفي سبيل تطمين بشار الأسد الى حماية نظامه، فإن بوتين قرر تزويد الجيش السوري بمنظومة ثانية من طراز «بي-800» المسماة «يحونط» وهو صاروخ بحري مضاد للسفن، أدخل في الخدمة العملياتية قبل 13 سنة. ومن ميزاته أنه مزود بمحرك يضاعف سرعته، مع الدقة في إصابة أهداف بحرية تبعد 300 كلم. وزير الدفاع الاسرائيلي، موشيه يعلون، يزعم أن الجيش السوري النظامي يصعب عليه استيعاب عملية تشغيل المنظومات الروسية المعقدة. والسبب أنه أصيب إصابات بالغة خلال الحرب الأهلية، إن كان على مستوى المهندسين المنشقين... أم على مستوى النقص في الموارد والخبرات. وفي رأيه أن الحل الوحيد أمام الروس سيكون بإرسال خبراء على استخدام هذه الصواريخ، ولو أدى الأمر الى زجّهم في أتون المعارك. يدعي العسكريون السوريون أن صواريخ «يحونط» أصبحت منشورة في ميناء طرطوس، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، داخل المنطقة العلوية. وقد نُصبت عام 2011، بإشراف خبراء روس وضباط ساهموا في إرشاد القوات السورية على استخدامها. أما بالنسبة الى صواريخ «اس-300»، فإن الأمر أقل وضوحاً. والسبب أن الشركة المصنعة لهذه الصواريخ أعلنت السنة الماضية عن إغلاق خط الإنتاج. وربما قررت موسكو نقل منظومة قديمة من دفاعها الجوي. السؤال الذي يطرحه الاسرائيليون على حكومتهم يتعلق بالقلق الذي تبديه وزارة الدفاع حول تجاربها القليلة على الصواريخ المعترضة. وعليه، ترى صحيفة «هآرتس» أن الزيارة العاجلة التي قام بها نتانياهو الى موسكو تبين عمق الاضطراب الذي أحدثه قرار تزويد سورية بصواريخ من طراز متطور. ووفق صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن بوتين هو الذي دعا نتانياهو ليحذره من مغبة هجمات أخرى على سورية. ويُستفاد من نشر الخبر أن موسكو ستستغله لإقناع اسرائيل والولايات المتحدة بأن الأسد ما زال يحظى بتأييد روسي كبير، بدليل أن الترسانة الجديدة ستكون في خدمة استمراره. ويرى الوزير لافروف أن وجود صواريخ متقدمة في سورية سيقوي حجة واشنطن في معارضة التدخل العسكري الخارجي. وقد دافع الوزير جون كيري عن هذه السياسة لاقتناعه بأن الدفاعات الجوية والبحرية في سورية أفضل بكثير من دفاعات معمر القذافي. ولهذا تصبح المشاركة في الحرب مغامرة يصعب تقدير عواقبها. الثابت أن زيارة الوزير الاميركي كيري لموسكو بدلت الانطباع الذي زرعته دول الاتحاد الاوروبي في عقله. والغاية من كل هذا إظهار اهتمام بوتين بمصير الأسد، والإيحاء لإسرائيل والولايات المتحدة بأنه لن يتخلى عن الرئيس السوري، وأن التدخل العسكري الغربي هو تدخل مضر بمصلحة روسيا. وفي ضوء هذه الاعتبارات أجرت موسكو قبل شهرين مناورة بحرية مشتركة قبالة الساحل السوري. وكانت تلك أضخم مناورة يجريها الأسطول الروسي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. المتخصصون في الشأن الروسي يعزون اهتمام بوتين بمصير بشار الأسد الى أكثر من سبب: فهو أولاً، يجاهر بعلمانيته وسط محيط يعج بالمتطرفين الإسلاميين. وهو ثانياً، يفاخر بأنه ليس حليفاً للولايات المتحدة. ومع أنه قريب جداً من المحور الايراني الشيعي، فإن العقود العسكرية التي وقّعها مع موسكو تجعله أقرب الى مظلتها الواقية وأكثر اعتماداً على أسلحتها الدفاعية. وعليه، يرى المراقبون أن وجود الأسطول الروسي في طرطوس هو وجود وقائي، على اعتبار أن لروسيا مصلحة مشتركة في حماية الشريط الساحلي. وفي حال انهار النظام في دمشق، فإن التوقعات ترشح طرطوس لفترة طويلة من الصمود بسبب وجودها في قلب الإقليم العلوي. أو بسبب الإمداد بصواريخ «يحونط» المعدّة لمواجهة منظومات مشابهة. وأكثر ما يهم اسرائيل في هذه المرحلة هو إبعاد التهديد الصاروخي عن طوافات التنقيب عن الغاز في حقول الغاز الطبيعي قبالة الساحل الاسرائيلي. وهي متخوفة من تكرار التجربة التي أقدم عليها «حزب الله» في حرب 2006، يوم أصاب البارجة «حنيت» بصاروخ من صنع الصين أطلقه «الحرس الثوري» الايراني من ساحل بيروت. رئيس شعبة الاستخبارات الاسرائيلية العسكرية السابق، اللواء عاموس يادلين، قال إن سلاح الجو تدرب على صدّ منظومات صاروخية مشابهة موجودة في أذربيجان واليونان وقبرص. وفي تصوره أن المواجهة المقبلة مع سورية ستكون مواجهة شاملة ضد ايران أيضاً، وروسيا و «حزب الله». في مواجهة التحدي الروسي، كرر وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ ما قاله سابقاً، من أن الأزمة السورية لن تحل إلا برحيل رأس النظام الحالي. واتهم موسكووايران و «حزب الله» بدعم الأسد، الأمر الذي يهدد الاستقرار الاقليمي. وأعربت الحكومة الفرنسية عن دعمها لقوات المعارضة، شرط تسليم السلطة الى حكومة انتقالية تضطلع بالسلطة التنفيذية الكاملة. وفي موسكو، هاجم الوزير لافروف المعارضة السورية، كونها تجاهلت الالتزام تجاه الجهود المبذولة لعقد مؤتمر سلام مع حكومة الرئيس بشار الأسد. في الوقت ذاته، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم إن الحكومة ليست لها شروط مسبقة لحضور محادثات السلام المزمع عقدها في جنيف. ولكنها تنتظر بعض التفاصيل المتعلقة بآلية المؤتمر. حول الاشتراك في المؤتمر، أصدر «الائتلاف الوطني» المعارض بياناً أعلن فيه تمسكه بضرورة إبعاد الأسد وأعضاء حكومته عن أي تجمع يُراد من ورائه إنهاء الأزمة في سورية. مجلس حقوق الإنسان في الأممالمتحدة هاجم مَنْ وصفهم ب «المقاتلين الأجانب» الذين يدعمون الجيش السوري في القصير. وكان بهذا التلميح يشير الى مقاتلي «حزب الله» الذين قدّر الوزير الفرنسي لوران فابيوس عددهم بأربعة آلاف مقاتل. وترى قيادة الحزب أنها بقيت وفية لمبادئ الحزب الداعية الى محاربة اسرائيل أولاً بأول، كونها تحارب اسرائيل في سورية وحلفاء اسرائيل أيضاً. وهي تتوجه بالشكر الى ايران وسورية، لأنهما وفرتا للحزب الأسلحة المطلوبة لاستئناف القتال. ولكن هذا المنطق لم يقنع المسؤولين اللبنانيين، الذين يشيرون بقلق الى العواصف السياسية التي تهدد السلم في لبنان. وفي تقديرهم ان انهيار نظام الأسد سيشجع قوات «القاعدة» و «جبهة النصرة» والجماعات السلفية المتطرفة على شن حملة انتقام ضد «حزب الله». ومعنى هذا أن الصراع الدائر بين هذه الأحزاب داخل سورية سيتواصل مستقبلاً على أرض لبنان. وان التطورات في الساحة السورية ستنتقل الى الوطن الصغير مع سيناريوات عدة بينها: صدام سوري-لبناني... وحرب بين السنّة والشيعة... واستئناف حرب 1975-1989 المعطلة. ذلك أن فترة الانتظار، الممتدة من عام 1999 حتى 2005، لم تتوقف فيها حالات الاحتراب، ولو بالوكالة من طريق المفخخات والاغتيالات وحروب الكلام عبر شبكات التلفزيون. وقد امتدت هذه الحرب الى الكنائس والجوامع، خصوصاً يومي الجمعة والأحد، وفي مناسبات الأعياد الدينية. رئيس «الائتلاف الوطني» السوري أحمد معاذ الخطيب طلب من السيد حسن نصرالله إخراج مقاتليه من سورية، معتبراً أن وجودهم الى جانب النظام وضد الشعب ليس أكثر من غزو خارجي وإفلاس أخلاقي. واتهمه بأنه سيكون مسؤولاً شخصياً عن تفكك لبنان وسورية طائفياً، الأمر الذي يهيئ الفرص لنزاع عنيف بين السنّة والشيعة، مثلما يحدث في العراق! * كاتب وصحافي لبناني