عكست مناقشات مجلس حقوق الإنسان في جنيف في شأن الوضع الإنساني المتدهور في سورية والأحداث الأخيرة في القصير الأربعاء، مشهد الانقسام الذي قد يطغى على مؤتمر «جنيف - 2»، والخطابات التي ستتخلله. وأكدت غالبية الدول العربية مدعومة من أوروبا والولاياتالمتحدة وجوب وقف المذابح ونقل السلطة من دون تأخير ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم. وحظي مشروع القرار الذي رعته 18 دولة بمساندة 70 في المئة من أعضاء المجلس (47 عضواً). وأكدت سورية، على لسان مندوبها فيصل الحموي، أن الاجتماع الطارئ الذي عقد بدعوة من قطر وتركيا والولاياتالمتحدة «عقيم ونظم من قبل قطر وتركيا اللتين تشاركان في سفك دماء السوريين». ورأى أن «القصير لم تشهد أية مجازر وبُكاءُ راعيي القرار نفاقٌ واضحٌ ومتاجرةٌ رخيصةٌ بدماء السوريين». وقال الحموي بأن بلاده تواجه حملة «تكفيريين أتوا من 40 بلداً». وتحدث الحموي بعد مداخلة مفوضة الأممالمتحدة السامية نافي بيلاي ومقررين عن معاناة 7 ملايين سوري في حاجة للإغاثة عن الإعدامات العشوائية وأعمال القتل غير المشروع التي ترتكبها القوات السورية والميليشيات التابعة لها وكذلك مجموعات مسلحة مناوئة للنظام. وقالت نافي بيلاي: «إثر سيطرة مجموعات مسلحة على القصير والمناطق المحيطة، قبل نحو عام، بادرت الحكومة إلى فرض حصار واكبتهُ عمليات القصف حيث أدت إلى تدهور الوضع الإنساني ونقص الغذاء والماء والكهرباء والوقود وإمدادات الدواء. وازداد الوضع تدهوراً الشهر الماضي نتيجة الجهود (العسكرية) المكثفة من أجل احتلال القصير، ما أدى إلى فرار مئات العائلات المنكوبة من المنطقة». وعبرت نافي بيلاي عن «القلق الشديد على سلامة المدنيين المحاصرين داخل القصير وفي المناطق المجاورة. وأدت عمليات القصف المكثف بين القوات الحكومية والميلشيات المساندة وبين المجموعات المناهضة إلى سقوط مئات القتلى والجرحى». وحظي مشروع القرار الذي تلته مندوبة قطر علياء أحمد آل ثاني على أصوات 36 دولة وعارضته فنزويلا وامتنعت عن التصويت 8 دول هي أنغولا والإكوادور والكونغو وإثيوبيا والهند وإندونيسيا والفليبين وأوغندا. و «يدين القرار الانتهاكات الخطيرة الجارية على نطاق واسع من قبل قوات النظام والميليشيات المساندة حيث يستخدم النظام الأسلحة الثقيلة والقصف الجوي والصواريخ الباليستية في كامل أنحاء سورية منها القصير». كما يشجب القرار أشكال العنف كافة بصرف النظر عن الجهة التي ترتكبه. لكن هذه النقطة لم تنل رضا عدد من الوفود ضمن الدول أعضاء مجلس حقوق الإنسان والدول المراقبة حيث انتقدت الدول التي امتنعت عن التصويت «عدم توازن القرار لأنه يدين النظام ويغفل النظر عن المجموعات المسلحة». والملاحظة نفسها بالنسبة إلى البند المتصل بوجود المقاتلين الأجانب. و «يدين القرار تدخل المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون نيابة عن النظام في القصير ويعرب عن القلق الشديد من أن ضلوعهم يضاعف انتهاكات حقوق الإنسان وتدهور الأوضاع الإنسانية بما يترتب من عواقب سلبية على المنطقة ككل». وتستهدف عبارة المقاتلين الأجانب، لدى الدول الراعية للقرار، مقاتلي «حزب الله» الذين يدعمون النظام السوري وكذلك الخبراء الإيرانيين. ورأت مندوبة الولاياتالمتحدة في المجلس ايلين تشامبرلين دوناهو في مداخلة، قبل عملية التصويت، أن ما يجري في القصير «هو آخر محاولة بذلها النظام من أجل تقسيم الشعب السوري من خلال استخدام النزاع الطائفي». وعبرت عن «القلق الشديد من خطر تزايد العنف الطائفي من جميع الأطراف». ودانت بشدة «الدور المباشر الذي يضطلع به حزب الله الذي يؤجج التوترات الإقليمية ويزيد في تصاعد العنف في سورية ويضاعف مخاطر عدم استقرار لبنان». وشددت على أن «أمام النظام السوري الآن فرصة لتخفيف التوتر من خلال وقف الهجوم». وعقبت عضو الوفد الروسي ماريا خودينسكايا على مناقشات المجلس بأنها «غير متوازنة ولا تخدم أغراض مؤتمر السلام الذي تسعى روسياوالولاياتالمتحدة إلى عقده». وقالت ل «الحياة»، «الوضع في القصير يقتضي تحقيقاً مستقلاً حيث لا نعلم ما يجري من مصادر مستقلة». وانتقدت روسيا وجنوب أفريقيا والهند وعدد من دول أميركا اللاتينية إمدادات السلاح من قبل عدد كبير من الدول العربية والغربية حيث تؤجج النزاع. وحذرت من خطر الجماعات المتشددة المنتشرة في سورية. وأكد ممثل السعودية في اجتماع مجلس حقوق الإنسان، المستشار عبد العزيز الواصل، قبل عملية التصويت، أن «التقارير المتعاقبة في شأن الوضع في بلدة القصير تشير إلى أن قوات النظام السوري تشن حرباً شرسة تستخدم فيها القصف بالطائرات والصواريخ والمدفعية الثقيلة وترتكب فيها أبشع أنواع القتل والتعذيب والاغتصاب والاختفاء القسري وغير ذلك من الأفعال اللاإنسانية». وأوضح أن «المملكة العربية السعودية تعيد التأكيد على أهمية وقف سياسة القتل والبطش الممنهجة التي يتبعها النظام السوري، مما أدى إلى تفاقم الوضع وتعاظم المأساة». وأضاف «إن الوضع في سورية، وبخاصة في القصير، قد بلغ حداً مأسوياً يحتم على الجميع التعاون للإسراع بإنهاء محنة الشعب السوري والعمل على انتقال السلطة بكل الوسائل الممكنة».