يقف الرئيس محمود عباس مجدداً أمام مفترق تفاوضي جديد يتقاطع منه مساران، الأول مغلق، والثاني مفتوح لكنه يقود إلى لا مكان. وبدأت ملامح الخطة التي يعدها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لاستئناف المفاوضات بالظهور، وتقوم على إيجاد حل وسط بين المواقف الفلسطينية والإسرائيلية. وبحسب مصادر عدة، فإن هذه الخطة تدعو إلى الشروع في التفاوض على ملفي الحدود والأمن بهدف تجاوز عقبة الاستيطان، على أن تمتنع الحكومة الإسرائيلية عن إصدار أي عطاءات بناء جديدة خلال المفاوضات. وتتضمن أيضاً إطلاق أسرى ما قبل إقامة السلطة بعد اتفاق أوسلو عام 1993، وموافقة إسرائيل على المشاريع الاقتصادية الفلسطينية في المنطقة (ج) الخاضعة للاحتلال في الضفة، وتجنيد مساعدات مالية دولية لتنشيط الاقتصاد الفلسطيني بقيمة 4 بلايين دولار. وقدم الرئيس عباس عرضاً أمام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ليل الثلثاء – الأربعاء عن الاتصالات السياسية الأخيرة في شأن مستقبل العملية السياسية، مبدياً عدم ارتياحه من عدم حصول الوسيط الأميركي على موافقة إسرائيلية على وقف الاستيطان، وعلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967. وقررت اللجنة في اختتام اجتماعها التأكيد مجدداً على التمسك بالموقف الفلسطيني المطالب بالوقف التام للاستيطان في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، وضرورة اعتراف الحكومة الإسرائيلية بحدود الرابع من حزيران (يونيو) «حتى يمكن لهذه العملية أن تكتسب الحد الأدنى من الصدقية والجدية، ولا تتحول إلى مجرد عملية دوران في الفراغ»، وفق ما جاء في بيان أصدرته اللجنة. كما قررت اللجنة تشكيل لجنة برئاسة أمين سر اللجنة ياسر عبد ربه «لدرس الخيارات المقبلة في حال إصرار حكومة إسرائيل على موقفها الاستيطاني والمعطل لعملية السلام». ويرى بعض المراقبين أن الرئيس عباس ربما يقبل خطة أميركية من هذا النوع في حال توفر شرطين رئيسيين، أولاً إطلاق جميع أسرى ما قبل اتفاق أوسلو، وثانياً أن تكون المفاوضات لفترة محدودة مثل أشهر معدودة. لكن آخرين يرون أن الرئيس لن يعود إلى المفاوضات من دون الوقف التام للاستيطان بسبب الموقف الشعبي الرافض للمفاوضات في ظل الاستيطان، مرجحين والحال هذه أن يعود إلى خيار الأممالمتحدة. وتحيط الشكوك في إمكان موافقة الحكومة الإسرائيلية على إطلاق الأسرى، وعددهم مئة أسير، الأمر الذي يجعل مهمة كيري في إعادة الطرفين إلى المفاوضات أكثر صعوبة. وأياً كان الموقف الإسرائيلي، فإن فرصة نجاح المفاوضات في حال حدوثها، ضئيلة جداً. وقال عضو اللجنة التنفيذية الدكتور واصل أبو يوسف الذي شارك في الاجتماع ل «الحياة»: «الحكومة الإسرائيلية لا تريد الاعتراف بحدود عام 1967، ولا وقف الاستيطان، وهذا كاف لإظهار عدم جدية أي مفاوضات تجري معها». وأضاف: «هذه حكومة استيطان، وأي تفاوض معها هو إضاعة للوقت، ولن يقودنا إلى أي مكان». السلام الاقتصادي في هذه الأثناء، ذكرت مصادر إسرائيلية أن تنفيذ المشاريع الاستثمارية في الضفة ضمن خطة السلام الاقتصادي لن تكون مرتبطة بالتقدم السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ونقلت إذاعة جيش الاحتلال عن مصادر مطلعة في مكتب رئاسة الوزراء على فحوى اقتراحات كيري أن الاستثمارات ستتم عبر القطاع الخاص الفلسطيني المتطلع إلى شراكة مع الاقتصاد الإسرائيلي والعالمي بعيداً عن تعقيدات التقدم في السلام أم عدمه. وأوضحت أن كيري اقترح إطلاق أسرى ما قبل اتفاق أوسلو، وتسليم مناطق جديدة للسلطة، ووقف طرح عطاءات للاستيطان، خصوصاً في منطقة القدس والاكتفاء بالعطاءات الحالية. وتابعت أن الرزمة الأميركية ستعمل في اتجاهات اقتصادية وإعلامية وثقافية مترابطة لوقف التحريض في وسائل الإعلام، وزرع مفاهيم التعاون والسلام والتعايش والتبادل الحضاري بين إسرائيل والفلسطينيين والشعوب العربية في ظل انعكاسات الربيع العربي الإقليمية والدولية وضرورة استغلالها لخدمة السلم الدولي. ونقلت وكالة «سما» للأنباء عن الإذاعة الإسرائيلية أن مركز «بيريز للسلام» استضاف في يافا أمس لقاء جمع العشرات من مصممي الموضة الإسرائيليين وأصحاب مصانع النسيج والجلود والأحذية في الضفة، موضحة أن اللقاء يهدف إلى إطلاق مشاريع مشتركة بين الجانبيْن. وأشارت إلى أن الحجم الحالي لهذه المشاريع يعادل 60 مليون دولار سنوياً، إلا أنه قابل للزيادة بشكل ملحوظ بالنظر إلى وجود المئات من المصانع والمشاغل الفلسطينية المرتبطة بفرع النسيج والجلود. يأتي ذلك في وقت تزداد الانتقادات الشعبية والفصائلية والنقابية لمثل هذه اللقاءات التطبيعية التي تأخذ أشكالاً متعددة، منها الرياضية والثقافية والفنية والاقتصادية.