لا شك في أن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى تركيا في آب (أغسطس) 2006، وزيارته الثانية في 2007، عبرتا بعلاقات البلدين من حال البرود إلى الدفء، بعد فتور استمر 40 عاماً، وأحدثتا نقلة استراتيجية في تاريخ تلك العلاقات بالارتكاز على عقيدة واحدة، ومصالح مشتركة، وشراكة اقتصادية. في ظل التطورات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، وفي صدارتها ملف الأزمة السورية، وضرورة الخروج بموقف تفاعلي يمكن البناء عليه لوقف شلال الدم، ومناقشة مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد لضمان استقرار المنطقة، اكتسبت زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز إلى أنقرة الأسبوع الماضي أهمية خاصة. كما أن الاضطرابات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط تتطلب من البلدين الأكثر استقراراً العمل على جبهة واحدة لإيقاف التدهور الذي يعصف بمنطقة ساخنة. في أنقرة، تركّزت محادثات ولي العهد مع الرئيس عبدالله غل ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزيري الخارجية والدفاع على ضرورة الدفع باتجاه مخرج للأزمة السورية، وأهمية ترتيب أوراق الأزمة وفق خيوط التقارب الأخيرة بين موسكو وواشنطن، بما يخدم ثورة الشعب السوري، إضافة إلى التطرق لتحضيرات مؤتمر جنيف الثاني بعد فشل الأول، وأهمية الخروج بتسوية لمجمل الوضع في سورية، ومعاقبة النظام السوري في إطار الشرعية الدولية. بحسب ما علمت، بدت تركيا مستعدة وجادة لمساندة أي عمل عسكري دولي في سورية، كما أن السعودية تحض المجتمع الدولي على تسليح «الجيش الحر» لتغيير موازين القوى على الأرض، في ظل استمرار مجازر نظام الأسد واستخدام الجيش النظامي البطش بالقوة العسكرية حتى المُحرَّمة، يسانده «حزب الله» والحرس الثوري الإيراني. كما ستعمل السعودية وتركيا سوياً لتنظيم صفوف المعارضة سياسياً، وعدم السماح باختراقها من قبل الجماعات المتطرفة التي تخدم النظام. إضافة إلى الوقوف جبهة واحدة ضد تغلغل إيران و «حزب الله» لمنع تكرار ما حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام. وأكد الأمير سلمان خلال لقاء جمع الوفد الإعلامي المرافق له أن الهدف من زيارة تركيا التشاور، وزيادة التنسيق، وتطوير العلاقات لما فيه استقرار المنطقة، عبر تبادل وجهات نظر البلدين في القضايا الإقليمية، والدفع بالجهود المبذولة للوصول إلى تفاهمات واضحة حول عدد من ملفات المنطقة الراهنة، إضافة إلى توقيع اتفاق ثنائي للتعاون في المجال الدفاعي الصناعي. تطرقت المحادثات بين المسؤولين السعوديين والأتراك إلى الملف الإيراني النووي، وانعكاساته على الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، إضافة إلى تدخلات طهران في الشؤون الداخلية لعدد من دول المنطقة، خصوصاً سورية، ومشاركة «حزب الله» في قتال السوريين، إلى جانب الفتنة الطائفية واستمرار الأوضاع السيئة في العراق، من خلال ممارسات حكومة نوري المالكي، وضرورة العمل على منع تفجّر فتنة مذهبية في لبنان. واتفق الطرفان على رفض الحمّى المذهبية السُنّية - الشيعية الراهنة، والعمل على إعادة اللُّحمة بين شعوب المنطقة، خصوصاً أن السياسة التركية أصبحت نشطة، ونجحت في الحضور كطرف رئيس حول المصائر السياسية في العراق وسورية ولبنان وفلسطين، وتمكنت من ملء الفراغ في ظل انكفاء البلدان العربية الكبيرة على نفسها. حاورتُ الرئيس التركي عبدالله غُل مرتين، إحداهما في عام 2009، والثانية قبيل مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في مكة العام الماضي، وفي كليهما ظل يتحدث عن ذكرياته، وعلاقته الخاصة بالمملكة، ومحبته الكبيرة لمدينة جدة التي عمل فيها سنوات عدة، وولدت فيها إحدى بناته، ويرتبط بذكريات عطرة فيها، وتربطه علاقات خاصة بعائلات سعودية كثيرة فيها. ودائماً ما كان يكرر خلال اللقاء أن الملك عبدالله رجل نبيل جداً. أتذكر في اللقاء الأول قلت له إنني كتبت عنه «فيتشراً» صحافياً في «الحياة»، حينما نجح حزبه ورفيق دربه أردوغان، متتبعاً خطواته في جدة من صديقه سليم جعفر (البنك الإسلامي للتنمية)، وموقع شقته التي سكنها سنواتٍ، والمطعم التركي (فيروز) الذي كان يرتاده مع زوجته (خير النساء) وأبنائه، والأطباق التركية المفضلة بالفرن، وراتبه في البنك (4800 دولار)، كان يضحك وقد أرهقته هموم السياسة، لكنها عجزت عن طي صفحة ذكريات تجول في قلبه. الأكيد أن الزيارة مهمة، وأضفت بعداً إيجابياً على رسوخ علاقات المملكة وتركيا، وأثبتت أن أنقرة راغبة في بناء علاقة مميزة مع الرياض، كونها مؤثرة سياسياً واستراتيجياً ودولة نفطية، وفيها مكةالمكرمة والمدينة المنورة، لكن المهم في الوقت الراهن كيف يمكن أن يساعد البلدان الشعب السوري في إنهاء معاناته، ووقف حمام الدم، ومعاقبة نظام بشار الأسد؟ [email protected] twitter | @JameelTheyabi