قدمت إحدى القنوات التلفزيونيّة العربية لمشاهديها أخيراً، ساعة كاملة من مقاطع الفيديو المحملة على ال «ويب»، مدعومة بتغريدات وصور ومقالات وتحليلات وتصريحات وبيانات. ووصفت القناة تلك الساعة من البث بأنها محاولة لفهم «داعش» و «الدواعش». «ما أن انتهى عرض البرنامج حتى هرعت إلى ال»لاب توب». وأمضيت ما لا يقل عن أربع ساعات أبحث وأقرأ وأشاهد وأسمع، كل ما تيسّر لي عن «داعش» و «الدواعش». ومنذ ذلك الوقت، أبدأ يومي بالاطلاع على أحدث المستجدات الداعشية عبر الشبكة العنكبوتية. ليتني ما شاهدت البرنامج». بتلك الكلمات تحدّثت إيمان صبري (ربة منزل مصرية - 44 سنة)، وهي لم تكن تشاهد سوى «سي بي سي سُفْرَة» وفي حال تفاقمت الأحداث أو تواترت الكوارث، كانت تلجأ إلى «الفضائيّة المصريّة» من باب العلم بالشيء. وباتت السيّدة صبري مرجعاً من مرجعيات «داعش»، يلجأ إليها الأهل والأصدقاء للتحقّق من ذبح هنا أو سبي هناك! «صنع في الإنترنت» يجدر عدم نسيان أن هناك شبكة عنكبوتيّة تلف العالم وتشغله تماماً. وتفجرت تلك الشبكة وتضخّمت وتوغلت حتى صارت أكبر من الواقع وأعتى من الحقيقة وأكبر من احتمال البشر. صنع الناس شبكة عنكبوتيّة محمّلة بعوالم افتراضية، محمّلة بوعود العدالة المعرفيّة والانتشار الواسع للعلوم والمعارف. في المقابل، يرى كثيرون أن الانترنت يشبه مارداً أفلت من القمقم. والأرجح أن «داعش» عملت على تضخيم حضورها على الانترنت، فباتت وحشاً ضخماً يهدد دولاً وممالك، وشعوباً وإثنيات، وحدوداً وأعراقاً بالفناء ذبحاً أو سبياً أو بغياً أو بإعلانها جزءاً من دولة الخلافة. لعله ليس مبالغة القول إن اللثام الأسود الذي يغطي وجوه مقاتلي دولة الخلافة، مكتوب عليه «صنع في الإنترنت»، وعروقها تنبض بأثير «تويتر»، وخلاياها النشطة تدين بالولاء لتدوينات «فايسبوك». كذلك تعتمد سياستها الترويجية شكلاً وموضوعاً على المواقع التفاعليّة، ونشاطاتها القتالية وجهودها التوسعية ما كان لها أن تنجح وتزدهر، من دون الفضاء الافتراضي لل «ويب». الأرجح أن البُعد العنكبوتي ل «داعش» أكثر تعقيداً مما يظنّه كثيرون. هناك صورة ذهنيّة تكونت لدى عشرات ملايين المتابعين لذلك البُعد، يظهر فيها «الدواعش» كأنهم مجموعات هربت من القرون الوسطى وعرفت طريقها إلى الشرق الأوسط. يظهر ذلك «الهروب» عبر الشعور الشعثة، والوجوه الملثّمة، والابتسامات المرعبة المرسومة باتقان على وجوه الذابحين غير الملثمين وهم يمسكون برأس ذبيح. انتشرت تلك الصور كالنار في الهشيم بفضل خيوط الشبكة العنكبوتيّة. ولم تترك كومبيوتر إلا غزته، ولا محمولاً إلا زارته، ولا شاشة إلكترونية إلا اجتاحتها. بقول آخر، تمثّل الإنترنت أرضية «داعش» الثابتة التي تحتوي جماهيريتها الكبيرة وشعبيتها الهائلة.