الأرجح أن تنظيم «داعش» أظهر قدرة هائلة على خوض معركة الفضاء الإلكتروني في الشرق الأوسط، لكن تسعير ذلك النوع من الحروب في الشرق الأوسط أمر لا يخلو من عواقب وخيمة. ربما لا تأتي تلك العواقب من الولاياتالمتحدة، التي تكاد تكون عبارة «عواقب وخيمة» ماركة مسجّلة لتصريحاتها، مع التحفّظ عن الخوض في العلاقة الشائكة بين «داعش» والقوة الأشد علواً عالميّاً. ربما هناك قوى صغيرة بالمقارنة مع أميركا، لكن يجب على «داعش» عدم الاستهانة بها، خصوصاً أن الانترنت هي الساحة المفضلّة لخوض ما يسمّى «صراعات غير متكافئة»، بل أن «داعش» نفسه منخرط في صراع من ذلك النوع مع تحالف تقوده أميركا، سواء على الأرض أم في الفضاء الافتراضي. واستطراداً، من نافل القول أنه يجدر بالجميع تذكّر القوة الهائلة التي تحوزها أميركا على الانترنت. لم تكشف الفضيحة التي أثارها خبير المعلوماتية المتمرد إدوارد سنودن، سوى رأس جبل الجليد الهائل للسطوة الأميركية في الفضاء الافتراضي، وليست «وكالة الأمن القومي» التي تتجسّس على العالم بأسره سوى إحدى مؤسّسات النظام الأميركي. استطراداً، ثمة سؤال يطرح نفسه بصورة ملحّة: هل أن الجهد الذي تبذله أميركا في الفضاء الافتراضي لمحاربة «داعش» يتناسب فعليّاً مع قدرات الولاياتالمتحدة؟ سؤال مقلق عن...»أنونيموس» في الفترة الأخيرة، تقاطرت الحوادث الكبرى في الشرق الأوسط، كما باتت العلاقة بين تلك الحوادث موضع نقاشات واسعة. ومن دون رغبة في خوض ذلك البحر الطامي من النقاشات، من المستطاع الاكتفاء بالإشارة الى توقيت حوادث مثل «حرب غزّة» وغزوة «داعش» في الموصل وتوسّعها في العراق وسورية، ثم ظهور التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة لمحاربة «داعش». سجّل «تويتر» سبقاً في نشر أنباء بداية غارات التحالف على الرقة، تلك التي قتل فيها قادة في «جبهة خرسان»، في أواخر أيلول(سبتمبر) 2014. ولم يستطع «تويتر» تأكيد أن تلك الغارة هي بداية فعليّة لحرب التحالف على «داعش»، أم أنها كانت تمهيداً لها أو ربما شيئاً آخر. وربما تنطبق تلك الصورة وأسئلتها المقلقة أيضاً، على إعلان مجموعة «أنونيموس» في مستهل أيلول (سبتمبر) 2014، أنها أطلقت حرباً في الفضاء الافتراضي على «داعش». تعرّف العرب إلى تنظيم «أنونيموس» على نطاق واسع، منذ مشاركته الفعّالة في «الربيع العربي»، بل أنه واكب ذلك الحراك منذ إحراق محمد بوعزيزي نفسه في ولاية أبو زيد بتونس في خريف العام 2010. تكرّر ظهور قدرات «أنونيموس» في حربي غزة عامي 2012 و2014. ما الذي حلّ بذلك النشاط الواسع والفعّال الذي نجح في مواجهة إسرائيل على رغم أنها عالية التمكّن من المعلوماتية والاتصالات وتقنيّاته ووسائلها وأدواتها؟ لم لا يظهر نشاط مماثل في مسار الحرب التي أعلنها «أنونيموس» على «داعش»، بطريقة مدويّة شملت ظهوراً غير مألوف لممثلين ل»انونيموس» في الإعلام المرئي- المسموع، تحديداً قناة «فرانس 24» العالميّة المعروفة؟ في ذلك الظهور، أبدى «أنونيموس» حرصه على إبراز انخراطه في الحرب الافتراضيّة على «داعش»، بل أنه كرّسها للدفاع عن الإسلام ضد ما ألحقته به مجازر «داعش» وأفعال السبي والاقتلاع والتطهير العرقي- الديني وغيره. لماذا «أنونيموس» في «الربيع العربي» تبدو وكأنها غيرها في «الربيع العربي»؟ استطراداً، يجدر استكمال جوانب اخرى من الصورة بالإشارة إلى أن شهر أيلول 2014، شهد قفزة في حروب الانترنت في الشرق الأوسط، عبر إطلاق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ، ما سمّاه «الهيئة الوطنيّة للدفاع عن الفضاء الإلكتروني». وبرّر نتنياهو الأمر بالهجمات الإلكترونيّة التي انهمرت على النُظُم الإلكترونيّة في إسرائيل أثناء عملية «الجرف الصامد» ضد غزّة (ساهمت فيها «أنونيموس»: مجرد تذكير)، وبتنامي قدرات إيران في الحروب الافتراضيّة على الانترنت. وتخوض إيران وإسرائيل حرباً غير معلنة في فضاء الشبكة العنكبوتيّة، خصوصاً منذ ضرب المفاعلات النوويّة الإيرانيّة بفيروسات إلكترونيّة متطوّرة، على غرار «ستاكس نت»، تردّد أن إسرائيل ساهمت في صنعها. بحثاً عن خليفة ما! «داعش يبحث عن خليفة انترنتي ويسعى لتجنيد قراصنة الكومبيوتر». ألقيت تلك الكلمات من دون نبرة سخرية، على «تويتر» قبل أيام قليلة، فأثارت موجة لم تتوقف عن التصاعد من الاهتمام بأن الانترنت ربما شكّلت جبهة ساخنة تماماً في الحرب ضد إرهاب داعش. لم يكن صاحب تلك التغريدة سوى كريس وايزوبال، المؤسس المشارك لموقع «فيراكود» Veracode. للتوضيح، يهتم الموقع بمسألة تشفير المعلومات والبيانات، ويقدّم خدماته خصوصاً لمن يسعون إلى حماية بياناتهم على «سُحُب الانترنت»، كذلك يسعى لوضع تقنيّات التشفير بين يدي الجمهور. ولفت الموقع الاهتمام في غير مرّة في الفترة الأخيرة. إذ استُخدِمَت تقنياته في تشفير الاتصالات التي جرت بين وسائل إعلاميّة غربيّة وخبير المعلوماتية الأميركي المتمرّد إدوارد سنودن. وحاز على تنويه خاص في ختام العام 2013 من مؤسّسة «غارتنر» المتخصّصة في بحوث المعلوماتية. وقبل أسابيع، عادت الأنظار للالتفات إليه مجدداً، مع تفجّر سلسلة حوادث اختراق لمواقع نجمات التمثيل والإداء الغنائي في الغرب. ففي خضم تلك الحوادث، أعلن موقع «فيراكود» أن تقنيّاته كانت كفيلة بحماية النجمات من تسرّب صورهن وأشرطتهن من سُحُب الانترنت، إلى التداول العام على الشبكة الإلكترونيّة الدوليّة. والتقطت غير وسيلة إعلاميّة، على غرار شبكة «فوكس نيوز» تغريدة وايزوبال، وحوّلتها موضوعاً لتغطية إعلاميّة موسّعة. وقبل ذلك، كان جليّاً أن «داعش» يخوض قتالاً عنيفاً على الانترنت، مدعوماً من مواقع السلفيات الجهادية كافة.