انتخبت «جبهة القوى الاشتراكية» في الجزائر خمس شخصيات محسوبة على الزعيم التاريخي للحزب حسين آيت أحمد الذي انسحب من قيادة الحزب بعد خمسين عاماً من تأسيسه. ويعتقد مراقبون بأن ابتعاد المعارض التقليدي آيت أحمد من شأنه إعادة ترتيب بيت المعارضة في الجزائر على قاعدة غير الشرعية الثورية، باعتباره كان أحد قيادات النضال ضد الاستعمار الفرنسي. وصادقت غالبية المشاركين في المؤتمر الخامس للجبهة أمس على قائمة القيادة الجماعية المكونة من محند أمقران شريفي وعلي العسكري ورشيد حاليت وعزيز بالول وسعيدة اشلامن. وتوصف القيادات الخمس بأنها «الصندوق الأسود» لآيت أحمد، ويعني انتخابها سقوط مشروع الأمين العام السابق للحزب أحمد جداعي للفوز برئاسته. وسعى جداعي إلى العودة إلى الصف الأول في الحزب مستفيداً من رصيده السياسي السابق خلال إدارته الناجحة للحزب في 1997، لكنه قوبل برفض بالغ من قبل الأمانات المحلية المحسوبة على العسكري، خصوصاً تلك المتحدرة من منطقة القبائل حيث الرصيد الشعبي الأكبر للجبهة. كما تعرض جداعي خلال النقاش المفتوح في المؤتمر إلى انتقادات حادة من بعض المؤتمرين صنفها مشاركون في إطار قطع الطريق عليه. وفي ترتيب القيادة الجماعية الجديدة يتحول آيت أحمد إلى شخصية رمزية تتولى الرئاسة الشرفية، فيما أعضاء القيادة هم محند امقران شريفي، وهو مستشار اقتصادي ووزير سابق للتجارة ومشرف على لجنة الأخلاقيات، ورشيد حاليت، وهو نائب وقيادي قديم في الجبهة، وعلي العسكري، وهو الأمين العام، وعزيز بالول، وهو نائب وأمين وطني مكلف العلاقات الدولية للحزب، في حين أن سعيدة اشلامن عضو في لجنة أخلاقيات الحزب. وعقد المؤتمر الخامس ل «جبهة القوى الاشتراكية» تحت شعار «من أجل إعادة بناء إجماع وطني». وانتخب أعضاء المجلس الوطني للحزب قبل اختتام أعمال المؤتمر. وكان آيت أحمد الذي يترأس أقدم حزب للمعارضة منذ تأسيسه قبل خمسين سنة تخلى عن رئاسة الجبهة خلال المؤتمر، داعياً الجزائريين إلى «البقاء متحدين من أجل تشييد دولة القانون والديموقراطية». وفتح إعلان الانسحاب باب التفكير مبكراً في من يخلف الرئيس التاريخي للجبهة، وتساؤلات عما إذا كان الحزب سيحافظ على خطه المعارض الذي تأسس معه، خصوصاً أن خروج آيت أحمد يعد بتصدعات عميقة في الحزب لوجود تيارات تختلف في تصور مستقبل الجبهة وعلاقتها بالسلطة ومرشحها أيضاً للانتخابات الرئاسية المقبلة. ويبدو أن الجبهة تجاوزت إلى حد كبير أزمة انشقاق أعلنها عشرات الأعضاء والكوادر يقودهم الأمين العام السابق للحزب كريم طابو الذي اتهم الحزب ب «الارتماء في صفقة مع السلطة». وردت قيادة الجبهة على خطوة المنشقين، بدعوة طابو إلى «إعادة العهدة البرلمانية للحزب». وطابو نائب ترشح على قائمة ولاية تيزي وزو (عاصمة منطقة القبائل)، لكن ترشحه لم يكن قناعة بخيار الحزب بحكم دفاعه عن خيار مقاطعة التشريعيات أثناء النقاش الذي فتحه الحزب مع أعضائه قبل اتخاذ قرار المشاركة. وحازت «جبهة القوى الاشتراكية» 27 مقعداً في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وجاءت مشاركتها لتقطع فصلاً من المقاطعة دام عشر سنوات، لكن قرار دخول التشريعيات ترافق واتهامات بعقد «صفقة مع السلطة»، تحدثت فيها مصادر عن «اتفاق على شخصية الرئيس المقبل للبلاد في رئاسيات العام 2014». وكان آيت أحمد الذي يستقر في سويسرا أسس الحزب العام 1963 غداة إعلان استقلال الجزائر وخاض مواجهات مسلحة مع نظام الرئيس الراحل أحمد بن بلا إلى أن اعتقل وتمكن من الفرار بعدها. وحتى اليوم تعالج علاقة آيت أحمد بمسؤولي الدولة من تلك الزاوية التاريخية، وهو عاد إلى الجزائر العام 1989 بعد إقرار أول دستور تعددي في البلاد، وأعلن انخراطه في العمل السياسي التعددي، لكن سرعان ما غادر الجزائر مرة أخرى بسبب «غياب الظروف الديمقراطية الحقيقية» التي تجعله يناضل من داخل البلاد.