بدأ الحديث عن الخلافة في «جبهة القوى الاشتراكية»، الحزب المعارض التقليدي في الجزائر، مبكراً بمجرد إعلان رئيسه التاريخي حسين آيت أحمد استقالته بداية من المؤتمر المقبل، ما يطرح تحدياً كبيراً أمام الحزب الذي يربطه كثيرون بشخص المؤسس، ويفرض إيجاد خلف يتمتع برصيد تاريخي في حجم رصيد آيت أحمد. وأعلن آيت أحمد عدم ترشحه لرئاسة الحزب خلال مؤتمره الخامس المقرر العام المقبل. وكتب في رسالة أن «قناعاتي وحماسي لا يزالان كما كانا خلال الساعات الأولى من النضال قبل سبعين سنة خلت. ولكن أطوار الحياة تفرض نفسها على الجميع. وعليه دعوني أقول لكم إن الوقت حان لتسليم المشعل وإنني لن أترشح لرئاسة الحزب خلال العهدة (الولاية) المقبلة». وفتح إعلان الانسحاب باب التفكير مبكراً في من يخلف الرئيس التاريخي للحزب المعروف اختصاراً باسم «الأفافاس»، وطرح تساؤلات عما إذا كان سيحافظ على خطه المعارض الذي تأسس معه قبل نحو خمسين عاماً. وتضيق قائمة المرشحين لخلافة «الزعيم» بما أن قيادات كثيرة مرت على الأمانة العامة فضلت الخروج من صفوف الجبهة بمجرد إعلانها المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة. ويطرح مراقبون اسم علي العسكري، الأمين الوطني الأول للحزب، ورشيد حليت الذي انتخب نائباً عن ولاية تيزي وزو، وأحمد جداعي، السكرتير الأول السابق. ويعد خروج آيت أحمد بتصدعات عميقة في الحزب لوجود تيارات تختلف في تصورها لمستقبله وعلاقته بالسلطة ومرشحه أيضاً للرئاسيات المقبلة. ويبدو أن الجبهة تجاوزت إلى حد كبير أزمة انشقاق أعلنته عشرات القياديين والأعضاء وقاده الأمين الوطني السابق للحزب كريم طابو الذي يكيل اتهامات لحزبه ب «الارتماء في صفقة مع السلطة». وردت قيادة الجبهة على المنشقين بدعوة طابو إلى «إعادة العهدة البرلمانية للحزب»، باعتباره نائباً عن قائمة ولاية تيزي وزو. وحازت «جبهة القوى الاشتراكية» 27 مقعداً في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وجاءت مشاركتها لتنهي فصلاً من المقاطعة دام عشر سنوات، لكن قرار دخول التشريعيات ترافق واتهامات بعقد «صفقة مع السلطة»، تحدثت فيها بعض المصادر عن «اتفاق على شخصية الرئيس المقبل للبلاد في رئاسيات 2014». وتحدث طابو عن أزمة الحزب قائلاً انه «لم يشهد في تاريخه أزمة مماثلة ولم يشهد سقوطاً شبيهاً بهذا. في تاريخنا لم نبلغ هذا الانحطاط والمساس بكرامة المناضلين من قبل أعضاء الأمانة الوطنية». ووفق تصوره، فإن القيادة الحالية تقود «عملية انقلاب داخلي»، إذ يعتبر أنهم «قاموا بإنشاء حزب جديد يحمل ماركة الأفافاس بيع للاستخبارات». وتطلق على الجبهة صفة «المعارض التقليدي». وأسس آيت أحمد الذي يستقر في سويسرا الحزب العام 1963 غداة إعلان استقلال الجزائر وخاض مواجهات مسلحة مع نظام الرئيس الراحل أحمد بن بلا إلى أن اعتقل وتمكن من الفرار بعدها، وإلى اليوم تعالج علاقة آيت أحمد بمسؤولي الدولة من تلك الزاوية التاريخية. وهو عاد إلى الجزائر العام 1989 بعد إقرار أول دستور تعددي في البلاد، وأعلن انخراطه في العمل السياسي التعددي، لكنه سرعان ما غادر الجزائر مرة أخرى بسبب ما اعتبره «غياباً للظروف الديموقراطية الحقيقية للنضال من داخل البلاد».