سكون مطبق كان يسود البيوت العراقية لحظة عرض رقصة ما للفرقة القومية العراقية للفنون الشعبية التي قدمت لوحات راقصة من تراث العراق من شماله إلى جنوبه طوال سنوات. التسمُّر أمام الشاشات أمر طبيعي، فالكل يرغب في مشاهدة تلك الرقصات التي كانت تروي قصة ما عن منطقة معينة من مناطق العراق حيث تتراقص الأجساد على نغمات خاصة من الأغاني التراثية مثل «صياد السمك» و «أم الحجول» و«أبو العود» وغيرها، وكانت تلك اللوحات بمثابة استراحة من نشرات الأخبار وصور المعارك في ثمانينات القرن الماضي والسنوات التي تلتها. يقول فؤاد ذنون مدير الفرقة ل»الحياة» إن «الفرقة اليوم باتت في زمن الاحتضار فهي مهملة منذ مدة بسبب قلة الدعم وسوء الوضع الأمني في البلاد، والرواتب ضئيلة جداً ولا تكفي لسد الحاجات الأساسية». ويضيف: «لم تشارك الفرقة في أي نشاط منذ ثلاث سنوات لأن وزارة الثقافة ودائرة السينما والمسرح تحجمان عن إشراكنا بسبب غياب التمويل الكافي، كما إن الوضع الأمني أثر كثيراً علينا وغادرت غالبية أعضائنا من الفتيات، وثمة مشكلة كبيرة في الحصول على العنصر النسوي». أُسست الفرقة القومية العراقية للفنون الشعبية في الأول من آذار (مارس) 1971 بهدف نشر الفنون الشعبية العراقية وتعميقها وتوفير المتعة بأسلوب فني رفيع وهادف داخل العراق وخارجه، ومنذ تأسيسها باتت الفرقة في مستوى تضاهي به أبرز الفرق العالمية. وقد شاركت في عروض ومهرجانات وأسابيع ثقافية في عدد من الدول العربية والأجنبية وصلت إلى أكثر من 80 مشاركة، أشهرها مهرجانات يوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي سابقاً ومهرجان بوركاس في بلغاريا ومهرجان أكرجنتو في إيطاليا الذي حصلت فيه على الجائزة الأولى بعدما تنافست مع فرق من أكثر من أربعين دولة. لم تمنع الظروف الأمنية الصعبة أعضاء الفرقة من مزاولة التدريبات أملاً في النهوض مجدداً. «نقاوم الاحتضار ولا أعلم إن كنّا سننجح أم لا لكنني مصمم على استنهاضها كما فعلت بعد عام 2003 حين أعدتها إلى الحياة»، يقول مدير الفرقة. ويتذكر ذنون عرضاً قدمته الفرقة على خشبة المسرح الرئيسي لقاعة منظمة الأوبك في فيينا بقوله: «تلك المشاركة كانت بدعوة من وزارة النفط العراقية وشركة سومو لتسويق النفط، وقدمت الفرقة لوحات فولكلورية تمثل فسيفساء المجتمع العراقي ومنها لوحة الدبكة الكردية والدحة البدوية والعرضة والحسجة الجنوبية ولوحة بصرية». تستوحي الفرقة رقصاتها وأعمالها من الفنون الفولكلورية والشعبية، وتحاول جاهدة المحافظة على أصالة الفنون العراقية ونفض الغبار عن التراث الذي كاد يغيب تحت وطأة الحروب. لكنها الآن في ظل الوضع الصعب، جلّ ما تحاول أن تفعله هو محاولة الحفاظ على نفسها.