بموسيقى شرقية وإيقاعات عربية، أقيم مهرجان «لوسيا أورينتال - لوسيا الشرقية» السنوي في مدينة يوتوبوري السويدية، لتكون «لوسيا» هذا العام شرقية بامتياز، إذ كرّم المهرجان راقصة المسرح الأولى في العراق هناء عبدالله ب «درع الإبداع»، تكريماً لمسيرتها الفنية طوال عقود. ول «لوسيا» قصة تُستذكر في السويد، خلال الشهر الأخير من كل عام، فتبدّد بنورها الظلمة التي تزداد ساعاتها في الشتاء السويدي. ويحكى أنها كانت فتاة مسيحية من سيراكوزا الإيطالية، قتلت في العام 304 خلال مرحلة الاضطهاد التي تعرض لها المسيحيون في عهد الإمبراطور ديوكليتيانوس، ومنذ بداية القرن الرابع. ونظّم المهرجان معهد «أرابيسك» للرقص الشرقي في يوتوبوري، بالتعاون مع جمعية «كدادوما» المتخصصة أيضاً بالرقص. وتقول مديرة المعهد ومعلمة الرقص مارتينا فونشورين ل «الحياة» إن المهرجان اتخذ راقصات الشرق هذا العام نموذجاً له، في إشارة إلى الراقصة هناء عبدالله. وتوضح أنها أطلقت المهرجان في العام 2004، وهو يهتم بالعروض والرقصات الشرقية التي تبدع فيها راقصات أجنبيات، يساهمن في إبراز مزيج الثقافات المتعددة الموجودة في السويد. أما عن اختيار هناء عبدالله، فتقول إن الراقصة العراقية استحوذت قلوب مشاهديها من الراقصين والأكاديميين خلال زيارتها السابقة للسويد قبل أشهر، حين قدّمت لوحات راقصة من تصميمها. فارتأى المهرجان تكريمها ب «درع الإبداع»، خصوصاً إن عطاءها الفني استغرق القسط الأكبر من حياتها، موضحة أنها المرة الأولى التي تُكرّم فيها شخصية فنية في المهرجان. ومن الفرق المشاركة في المهرجان، فرقة «أنكيدو» العراقية السويدية للفولكلور الشعبي بقيادة المصمم والراقص مهند هوّاز، وهو أحد طلاب عبدالله، وقدمت لوحة «أبو العود» التي جمعت راقصات سويديات وإيرانيات وفيلبينيات، وهي من تصميم وإخراج عبدالله التي شاركت بنفسها في الرقصة. «أبو العود» و»الحسجة» وغيرهما الكثير، رقصات عراقية فولكلورية شعبية، أبدعت الفرقة القومية للفنون الشعبية العراقية، التي أُسست العام 1971، في تأديتها ضمن مهرجانات عربية وعالمية. يقول هوّاز، وهو عضو سابق في الفرقة القومية وأسس «انكيدو» العام 2009، إن المهرجان ضم عروض الرقص الفولكلوري، العراقي والمصري، والرقصات الشرقية المتنوعة، قدمتها راقصات أجنبيات، درّبن أجسادهن على مطاوعة الموسيقى الشرقية والإحساس بأنغامها. ولفرقة «انكيدو» جماهيرية واسعة بين أبناء الجالية العربية والسويديين، لا سيما بعد نجاح هوّاز في التحدي المتمثل في تدريب الراقصات الأجنبيات على مجاراة إيقاعات عربية. وقد شاركت الفرقة في مهرجانات عربية وسويدية، واستقطبت حضوراً واسعاً أدهشته براعة راقصات سويديات، لا يفهمن كلمات الأغنيات التي ترافق رقصهن ولم يعتدن هذا الإيقاع، في الرقص على ألحان وأغان شرقية. وتبدو هناء عبدالله، التي تعتبر إحدى مؤسسات الفرقة القومية للفنون الشعبية، سعيدة جداً بالجائزة، لجهة أنها الجائزة الأولى التي تحصل عليها في شكل فردي، ولأنها نالت كل الجوائز الأخرى تقديراً لعملها ضمن الفرقة. وتقول عبدالله، التي جهدت مع رئيس الفرقة الفنان رشيد ذنون، في الحفاظ على التراث من الضياع، إن الجائزة تشعرها بالامتنان بعد كل التعب والإخلاص لفن كرّست نفسها له طوال 45 عاماً. وأدارت عبدالله، مع العضوة السابقة في الفرقة القومية خالدة دنخا، ورشة عمل ضمن نشاطات المهرجان، شارك فيها عدد كبير من الراقصات الأجنبيات. هكذا، ومع انسدال ستائر الظلام في السويد، أحالت الراقصات على المسرح، بملابسهن البراقة الزاهية، الظلام نوراً، فكأنهن كنّ يستذكرن «لوسيا» على طريقتهن الخاصة. ويُحتفل بذكرى «لوسيا»، في المساء أو في الصباح الباكر، أي قبل انبلاج ضوء النهار أو بعد اختفائه، على رغم ساعاته الشتوية القصيرة، إذ يفترض أن نور المحتفى بها يبدّد الظلام. وفي المناسبة تسير مواكب فتيات وصبيان. فتسير الفتيات بفساتينهن البيضاء الطويلة حاملات الشموع وعلى رؤوسهن شرائط فضية، ويرتدي الصبيان الأبيض أيضاً، لكنهم يحملون في أيديهم نجوماً ذهبية.