يستعد العالم للاحتفال بعد غد بالذكرى المئوية الثانية لولادة الموسيقي الألماني المثير للجدل ريتشارد فاغنر، الموسيقي المفضل بالنسبة للزعيم النازي أدولف هتلر. وريتشارد فاغنر من أكثر المؤلفين الموسقيين الذين صدرت كتب ودراسات حولهم، وصدرت حديثاً عشرات الكتب التي تتناول سيرة حياته أو التي تتناول النقد الموسيقي لأعماله، ليس فقط في بلده ألمانيا بل في كل العالم. وفي مناسبة الذكرى المئوية الثانية لولادته، تشهد كبرى قاعات العالم هذه السنة تقديم أعمال له بلغات عدة. ففي ألمانيا، حيث يوجد 80 مسرحاً للأوبرا، يستحيل حتى على أكثر محبي فاغنر أن يتتبعوا كل العروض التي ستقام على شرفه في هذه المناسبة، إلا أن الاحتفالين البارزين في البلاد ستستضيفهما مدينة بايروت الصغيرة في جنوبألمانيا، حيث يقام عرضان موسيقيان في مسرح قديم مخصص لتقديم أعمال فاغنر دون سواه. فقاعة العرض الصغيرة هذه، ذات الهندسة الصوتية الفريدة من نوعها، لا تفتح أبوابها سوى خلال أربعة اسابيع في الصيف فقط، لإقامة مهرجان سنوي تكريماً لفاغنر. ويحتضن المسرح الأربعاء المقبل، تزامناً مع الذكرى المئوية الثانية، حفلة يقودها المايسترو الألماني كريستيان تيليمان قائد الأوركسترا التابعة للمسرح، ويتضمن البرنامج أعمال الأوبرا الأشهر للمؤلف. وتبلغ الاحتفالات ذروتها خلال مهرجان الصيف الذي يقام تكريماً له، والذي سيبدأ هذه السنة في 25 تموز (يوليو) المقبل، تعرض خلاله أوبرا «رينغ». ولن تخلو هذه المناسبة من الجدل المتوقع حول مواقف فاغنر القومية المتطرفة أو ما يقال عن آرائه المعادية لليهود. وفي هذا السياق، قال قائد الأوركسترا والمؤلف الموسيقي الأميركي اليهودي الراحل ليونارد برنشتاين (1918 - 1990): «أنا أكره ريتشارد فاغنر... لكنني أكرهه وأنا جاثم على ركبتيّ» تقديراً لأعماله الموسيقية. وساهم في تكوين هذا الموقف من فاغنر أنه كان الموسيقي المفضل لدى هتلر. ولد فاغنر في 22 أيار (مايو) 1813 في ألمانيا، وتوفي في البندقية في 13 شباط (فبراير) 1883، أي قبل صعود النازية بعقود طويلة. وترك 13 عملاً أوبرالياً، إضافة إلى كونه كاتباً ومنظراً موسيقياً. وتنسب إليه كتب ودراسات منها كتاب «اليهودية في الموسيقى» المطبوع في عام 1850 باسم مستعار، قبل أن ينشر باسمه مصححاً ومراجعاً في عام 1869، ويتضمن أفكاراً عنصرية معادية لليهود. وكان هتلر شديد الإعجاب به، ويتردد دائماً إلى بايروت حيث أقام علاقات وثيقة مع عائلة فاغنر، من ابنه سيغفريد إلى أحفاده. وكان يقول إنه وجد في موسيقى فاغنر الإلهام الذي يشكل الملامح الأولى للنازية، ولا سيما في أوبرا «رينزي» أحد أول أعمال فاغنر الأوبرالية. واستخدم النازيون موسيقى فاغنر بكثافة في أعمالهم الدعائية. لذلك، لا تزال هذه الموسيقى محظورة حتى الآن في إسرائيل. ويواصل علماء الموسيقى خوض نقاشات حول ما إذا كانت موسيقاه تتضمن إيحاءات معادية للسامية، أو ما إذا كانت أفكاره قد شكلت التربة لنشوء الفكر النازي ونموه، لكن أحداً لم يجرؤ على التشكيك بموهبته الموسيقية.