تمثل الحمامات المكان المفضل والسري لمتعاطي حقن المنشطات، بيد أن العتبة في أعلى أدراج النوادي الرياضية تكون البديل الأنسب للرياضيين، بعيداً من اعين الرقابة وسط الغبار والأوساخ والمخلفات المتراكمة. وفي حال من القلق وعدم الاطمئنان، يغدو المشهد أكثر قتامة، إذ يدير المدرب ظهره للاعب لأخذ الحقنة، بينما يبقي وجهه موجهاً نحو أسفل الأدراج يراقب خوفاً من أن يفاجئهما أحد غير متوقع. الرغبة في تنمية كتلة عضلية، وضغوط الأصدقاء والغيرة، تدفع لاعبين لتناول المنشطات، من دون تفكير بعواقبها إلا بعد أن تقع الكارثة، في بلد لا يجرم تعاطي المنشطات وتداولها، كما أن صيدليات كثيرة لا تلتزم حظر بيعها من دون وصفات طبية. وأصبحت المنشطات تستخدم بكثرة في الأردن في الفترة الأخيرة على رغم ظهورها منذ بداية تسعينات القرن الماضي، خصوصاً في بناء الأجسام والعضلات، وهي محرمة دولياً، لما لها من أضرار طبية عدة وتعطي نتائج لا تعكس إمكانات الرياضي الحقيقية ليحصل على نتائج مبهرة لا يستحقها. وتعمل المنشطات على المساعدة في بناء الكتل العضلية في وقت قياسي وعلى حساب عدد الحيوانات المنوية في الجسم، فهذه الحبوب والحقن عبارة عن هرمونات ذكرية وهرمونات يمنع تداولها، وبعضها هرمونات أنثوية ومواد كيماوية تظهر أعراضها الأنثوية لدى الشباب بعد فترة من الوقت نتيجة لاستخدام هذه المواد المهربة وغير مرخصة، وأحياناً تؤدي إلى تسمم الدم والفشل الكلوي، فيما مادة الغليسرين التي تستخدم لنفخ العضلات تؤدي إلى التهابات بالعضلات وأحياناً إلى الإصابة بالشلل الجزئي أو التام. وشهدت الفترة الأخيرة انتشاراً لنوعيات خطيرة من المنشطات أدت إلى حالات وفاة، فضلاً عن خطرها الكبير على القدرة الجنسية وعلى عملية الإنجاب. فارس المعايطة لقي حتفه في 4 تموز (يوليو) 2011، عن 22 عاماً، في مركز بناء الأجسام الذي يتدرب فيه بعد أن أعطي «أبرة» ستيرويد (هرمونات ذكورية) في أحد النوادي الرياضية في عمان الغربية لتسريع نمو كتلته العضلية. لقي فارس مصرعه بينما كان في غرفة تغيير الملابس مع مدربه، الذي يقول أحد زملائه وكان برفقته في ذلك اليوم، إنه خرج فجأة وهو يصرخ منادياً على مدرب آخر في النادي «يا كابتن... الحقني، في شب غيّب في الحمام». وبينما احمرّت عينا فارس، وانتفخت شفتاه وجفونه، سُمع يتمتم وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بصعوبة وصدره يرتفع ويهبط بشدة: «أخذت إبرة ستيرويد بالغلط». المعايطة كان ضحية من بين عشرات الضحايا الذين لقوا مصرعهم بهذه المنشطات في الأردن، بيد أن هذه المنشطات يختلف تأثيرها بين الشباب وفق تقبل أجسامهم لها، فأحمد سليم (22 عاماً) أصبح يعاني ترهلات في عضلاته، وضعفاً في الحيوانات المنوية، بعد أن دفعته الرغبة في زيادة وزنه إلى تعاطي منشطات، محاولاً محاكاة أصدقائه ممن حاولوا إقناعه بتعاطيها. وكان وزير الصحة الأردني السابق عبداللطيف وريكات أعلن في مؤتمر صحافي في شهر شباط (فبراير) الماضي عن وفاة 14 شاباً على مدى سنتين جراء تناولهم أدوية ومنشطات على شكل إبر وحبوب في عدد من النوادي الرياضية. وكشف في المؤتمر ذاته عن ضبط شبكة مكونة من أربعة أشخاص تقوم بتوريد هذه المنشطات إلى النوادي الرياضية، مؤكداً أن كل هذه المنشطات مهربة ومزورة ومنتهية الصلاحية وتأتي من خارج المملكة، وقد تم ضبطها في عدد من الصيدليات التي تبيعها إلى المدربين. وأشار وريكات إلى مسودة قانون لحظر المنشطات سيعطى صفة الاستعجال في البرلمان لمواجهة هذة المعضلة القانونية في محاكمة مروجي هذة المنشطات، موضحاً أن الأردن وقع في عام 2008 على اتفاقية دولية لحظر المنشطات، إضافة إلى أن الوزارة طلبت أن تكون مرجعية هذه النوادي وزارة الصحة والمؤسسة العامة للغذاء والدواء. ويبرئ مدير الأندية في المجلس الأعلى للشباب موسى العويرات (حكومي) المجلس من أي مسؤوليه تجاه هذه المنشطات، ويقول إن لا علاقة له بمثل هذه النوادي فهي نواد تجارية ليست ضمن النوادي التابعة للمجلس الأعلى للشباب، فنوادي المجلس ثقافية اجتماعية رياضية تخضع لرقابة مستمرة. ولا يجد أحمد الصقر، وهو يمارس رياضة كمال الأجسام في احد النوادي في عمان، أي مانع من تعاطي المنشطات مبررا ذلك بأنه استخدمها اكثر من مرة عندما وصل إلى مرحلة توقفت فيها عضلاته عن النمو، من دون أن تتسبب له بأي أذى كما يقول. ويعدد الدكتور كمال الحديدي، اختصاصي السموم ورئيس المنظمة الأردنية لمكافحة المنشطات، الأخطارَ الناجمة عن تعاطي المنشطات في حال نجا المتعاطي من الموت، من بينها: تصلب الشرايين، ضغط الدم، زيادة العدوانية، ضمور الخصيتين، تضخم الثدي لدى الرجال، الضعف الجنسي، الجلطات القلبية والدماغية وسرطان الكبد.