للوهلة الأولى، تبدو عودة صوفيا كوبولا إلى مهرجان «كان» بفيلمها الجديد «ذا بلنغ رينغ» صاخبةً، ولا يقل صخباً احتفال «كان» بعودتها، حيث شكّل الفيلم العرض الافتتاحي لتظاهرة «نظرة ما»، ثانية تظاهرات المهرجان من حيث الصخب والأهمية. الاحتفال بدا نجومياً بامتياز، الموسيقى والأناقة، حضور النجوم بثيابهم وأكسسواراتهم الفخمة، كاميرات التلفزة المتزاحمة، الحضور الصاخبون المتطلعون نحو مقاعد النجوم، وصوفيا نفسها مع طاقم فيلمها المؤلف من مجموعة لا تصدق من الفاتنات... كل هذا من أجل فيلم يدور حول محور الحياة الاجتماعية في عصرنا المحور المثلث، الذي يتكون من النجومية والإنترنت وزمن الاستهلاك بمقاييسه الرفيعة. على الفور إذاً، يبدو فيلم صوفيا كوبولا الجديد فيلم رسالة، كونه مأخوذاً من حوادث حقيقية عرفتها لوس أنجليس قبل أعوام قليلة، أبطالها مجموعة من طالبات المدارس الثانوية الراقية، حولن أنفسهن، برفقة أصدقاء مراهقين، إلى عصابات متخصصة في سرقة نجوم السينما والمجتمع، يتوسلون الإنترنت للوصول إلى أهدافهم، فيما تقتصر الغنائم على الأزياء والأكسسوارات الفخمة ذات الماركات العالمية... وكأننا أمام روبن هود العصور الحديثة، مع فارق عنه أساسي، يتمثل في أن أفراد العصابة لا يوزعون الغنائم على الفقراء، بل يستهلكونها بأنفسهم، في محاولة منهم تحديداً لعيش ما كان الرسام والسينمائي الراحل آندي وارهول يعتبره ربع ساعة النجومية الحتمي في حياة كل فرد. واضح أن حكاية الفيلم إذ تروى على هذا النحو، تبدو واعدةً، كما أن المرء، بالاستناد إلى ما يعرفه عن سينما مخرجته، سيتوقع أن يجد نفسه أمام فيلم تحليلي اجتماعي، أو على الأقل أمام فيلم وعظي مندد، لكن النتيجة لم تأت على قدر التوقع، وإن كانت المخرجة أنجزت الفيلم بأسلوب ديناميكي جعله يبدو مجموعة من الفيديوكليبات المتراصة والممتعة للأذن والعين. لكن المشكلة في غياب الموضوع نفسه، فحركة السيناريو أتت متكررة لا تصاعد دراميّاً فيها ولا خبطات مسرحية. صحيح أن الأمر يبدو منطقياً في فيلم أُخذت حبكته من تحقيق صحافي نشرته مجلة «فانيتي فير» عن العصابة بعدما افتضح أمرها، لكن كوبولا لم تستطع في فيلمها بناء أي خط تصاعدي. وحتى في تصويرها الموارب للآفات التي تحرك شبيبة اليوم، المعرَّضين يومياً وعبر الإعلام إلى مطرقة النجومية وعوالمها الاستهلاكية، لم تستطع اقتراح أي استراتيجية سوسيولوجية، بل العكس، تبدو «روبن هودية» الفعل الإجرامي هنا أشبه بنزهة مجانية: تقرر المجموعة القيام بسرقة بيت نجم عرفت عبر الإنترنت أنه غائب، فتتوجه إلى البيت، تدخله من دون مشقة، لتكتشف ما فيه من ثروات وإكسسوارات ومجوهرات ولوحات، ثم تحملها بعد أن تجربها في لقطات يغلب عليها حسّ السخرية من النجوم انفسهم، وتغادر مع الحمولة إلى السهر والرقص والعربدة، وبالتالي إلى عيش ما يشبه حياة مفترضة إعلامياً للنجوم أنفسهم، من باريس هيلتون، إلى اورلاندو بلوم، مروراً بميغان فوكس ولندسي لوهان وغيرهم... حتى لحظة اكتشاف الشرطة إياهم ومعاقبتهم، ليتحولوا إلى نجوم، عبر مادة إعلامية تتيح للمخرجة سخرية مزدوجة مبطنة من الإعلام ومن اعضاء الفريق. «ذا بلينغ رينغ» في نهاية الأمر فيلم ممتع للنظر، لكنه بالتأكيد أخفق في إيصال فكرته، وإن انضم إلى خانة الأفلام الهوليوودية التي اهتمت بفضح حياة النجوم وتكوينهم وجماهيريتهم –وهو موضوع سبق لكوبولا أن عالجته في أفلام سابقة لها، مثل «ضاع في الترجمة» و «مكان ما»-، لكن الفيلم لم يتعمق في موضوعه، وافتقر إلى سيناريو درامي حقيقي، فأتى لطيفاً كصاحبته إنما فارغاً، كالحياة المفترضة لنجومه-الضحايا.