قال مسؤولون أردنيون ل «الحياة» إن بلادهم تعيش مأزقاً خطيراً هذه الأيام لتفاقم عجز الموازنة العامة إلى مستويات غير مسبوقة، مؤكدين أن الحكومة طلبت من الولاياتالمتحدة قرضاً مالياً طارئاً بقيمة 200 مليون دولار (إضافة إلى المنحة الأميركية الموجهة للاجئين السوريين لدى المملكة)، وأنها لم تؤمن حتى الآن رواتب الجيش أو الموظفين العموميين المستحقة مع نهاية آب (أغسطس) المقبل. وخرج متظاهرون علمانيون وعشائريون أمس في عمان ومدن الأطراف بأعداد محدودة، وسط غياب المعارضة الإسلامية، مرددين شعارات صاخبة ضد سياسات الدولة الاقتصادية، في إشارة تنذر بقرب مواجهة جديدة بين الدولة والشارع. ويصارع الأردن عجزاً مالياً دفعه إلى رفع سعر الوقود لتأمين قرض مالي مشروط يقدمه صندوق النقد الدولي يبلغ نحو بليوني دولار. وأصدر الصندوق وثيقة مهمة الأسبوع الجاري تطالب المملكة بمواجهة التهرب الضريبي وخفض الإنفاق العسكري لوقف النزف الحاد في الموازنة. وقال نواب في البرلمان الأردني ل «الحياة» إنهم أبلغوا خلال لقاء خاص جمعهم بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قبل أيام، بأن الوضع الاقتصادي يعيش أسوأ حالاته. ونقل هؤلاء معلومات تفيد بعدم توفر الرواتب للأشهر المقبلة حتى الآن. وقال نائب مستقل يتحدر من مدينة الطفيلة الجنوبية، وهي إحدى البؤر الساخنة التي تشهد احتجاجات صاخبة ضد الحكومة، إن الأردن «غير قادر على دفع رواتب الأشهر الأخيرة للسنة الحالية». وأضاف النائب محمد القطاطشة الذي حجب الثقة عن الحكومة مخاطباً موظفين عموميين كانوا يحتجون ضد أوضاعهم المعيشية أمام مقر البرلمان أمس: «أُبلغنا بعدم توافر رواتب الجيش التي يستحق دفعها مع نهاية آب (أغسطس) المقبل»، مضيفاً: «عليكم أن تتحلوا بالصبر لعبور هذه الأزمة». وقال رئيس الحكومة عبد الله النسور أمام نواب وديبلوماسيين أجانب أمس إن «التأخر المجحف باتخاذ القرارات الصحيحة أوصل الاقتصاد الأردني لمرحلة صعبة، إذ هناك العجز الكبير في الموازنة، وانخفاض احتياطي البنك المركزي، وعدم القدرة على الاقتراض من البنوك المحلية لزيادة مديونيتها على الحكومة إلى نحو 11 بليون دينار، إضافة إلى عدم وصول المساعدات الخارجية عام 2012». وأضاف: «كل ذلك دفعنا إلى اتخاذ قرارات وإجراءات اقتصادية ساهمت بوضع الاقتصاد على الطريق الصحيح»، في إشارة إلى القرارات المتعلقة برفع أسعار الوقود، والتوجه لرفع أسعار الكهرباء. وعلّق مستشار سابق لدى الحكومة الأردنية هو ماهر أبو طير المعروف بقربه من صنع القرار، على لقاء الملك بالنواب: «ما تطرق إليه العاهل الأردني عن عدم وجود سيولة مالية كافية ليس أمراً جديداً، لكن الجديد أن يرد صراحة على لسان رأس الدولة». واعتبر في تصريحات إلى «الحياة» أن حديث الملك عن معلومات ظلت «مكتومة» لفترة طويلة «يؤكد سعي الدولة إلى تهدئة النواب المعارضين لقرار رفع أسعار الكهرباء المرتقب، والذي يهدف إلى إنقاذ الخزينة، ومواجهة انهيار كارثي للاقتصاد». وزاد: «أبلغنا غير مرة بأن سيولة الخزينة لم تعد قادرة على دفع الرواتب بشكل متواصل ... لقد تعثرت الخزينة في بعض الأشهر عند جمع الأموال المستحقة على المؤسسات والوزارات». وكشف وزراء في حكومة النسور ل «الحياة» اشترطوا عدم ذكرهم، أن قرار رفع الكهرباء بنسب متفاوتة بات وشيكاً، وأنه قد يعلن رسمياً مع نهاية حزيران (يونيو) المقبل أو بداية تموز (يوليو) الذي يليه. وأكد هؤلاء أن الحكومة ستطلق حملات إعلامية مكثفة خلال الفترة المقبلة لإقناع الرأي العام بضرورة تنفيذ القرار، واحتواء موجة جديدة من الاضطرابات «المتوقعة». لكن النائب القطاطشة قال ل «الحياة» إن البرلمان طالب الحكومة ب «البحث عن بدائل لسد عجز الموازنة غير اللجوء إلى رفع أسعار الكهرباء». واعتبر أن هذا الرفع على المحال والمساكن «سيكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير، وقد يؤدي إلى تدمير سمعة البرلمان إذا ما عجز عن إسقاط الحكومة وإطاحة رئيسها (النسور)». وأردف: «لسنا مسؤولين عن عجز الموازنة ... لقد قدمنا اقتراحات بديلة لسد هذا العجز، أهمها المحاربة الجدية للفساد، ومواجهة التهرب الضريبي، واسترجاع الأموال المنهوبة من جهات وأشخاص تعرفهم الحكومة جيداً». وأقر البرلمان أول من أمس قانون «من أين لك هذا؟»، للحد من الكسب غير المشروع للمسؤولين الأردنيين. وصوَّت النواب لصالح أن يشمل القانون رئيس الحكومة والوزراء وأعضاء مجلسي الأعيان والنواب ورئيس الديوان الملكي وكبار المسؤولين. وثمة من يرى أن رفع سعر الكهرباء سيؤدي إلى مزيد من الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وتآكل الطبقة الوسطى، فيما تأجيله سيفاقم عجز الموازنة وعدم قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها. ويشهد الأردن منذ أكثر من عامين احتجاجات متواصلة تطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد.