تغادر الحكومة الأردنية المستقيلة غداً مقر رئاسة الوزراء في عمان، على اعتبار أن الخميس هو اليوم الأخير في فسحة دستورية تسمح ببقاء حكومة قديمة، ما يعني أن مسألة تكليف رئيس جديد للحكومة دخلت حيز التنفيذ، في ظل استمرار عجز البرلمان ال17، طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية، عن تشكيل غالبية نيابية قادرة على تسمية شخصية محددة للمنصب الرفيع، فيما ظل عبدالله النسور يحتفظ بصدارة الترشيحات. وتسلم رئيس الديوان الملكي فايز الطراونة أمس ترشيحات قدمها النواب لمنصب رئيس الحكومة، بعد أقل من 48 ساعة على انفراط عقد «غالبية نيابية» قوامها 85 نائباً، اختلفت على شكل الترشيحات، وطالب بعضها بأن يحتفظ الملك بمهمة اختيار الرئيس الجديد. وأشارت الترشيحات الأخيرة التي لا يتوقع صمودها إلى «طينة» البرلمان الجديد، التي ظهر أنها لا تختلف كثيراً عن «طينة» البرلمان السابق الذي حل بمرسوم ملكي، إذ أنها أبقت على ذات الأسماء «التقليدية» المحسوبة على «الصندوق» الرسمي، لتولي المنصب المذكور. وذكرت كتلة «الوعد الحر» (18 نائباً) إنها بعثت إلى الطراونة أمس بياناً مطولاً ترشح فيه نائب رئيس الوزراء المستقيل وزير الداخلية عوض خليفات الى موقع الرئيس، أيدتها في ذلك كتلة المستقبل (18 نائباً) التي أبلغت الطراونة في اليوم ذاته دعمها الرجل، لتتشارك مع كتلة «النهج الجديد» (8 نواب) التي دفعت باتجاه دخول هذا الأخير إلى حلبة السباق. في المقابل، أكدت كتل «وطن» (25 نائباً) و «الوسط الإسلامي» (15 نائباً) و «الوفاق» (15 نائباً) و «الاتحاد الوطني» (10 نواب) تمسكها بترشيح عبدالله النسور لرئاسة جديدة، ما دفعه إلى الاحتفاظ بصدارة الترشيحات. لكن هذه الكتل عادت مساء لتشترط على مرشحها التراجع عن قراره المتعلق برفع الدعم عن المحروقات، الذي دخل حيز التنفيذ الجمعة الماضية، لضمان الحصول على قرض بقيمة بليوني دولار من صندوق النقد الدولي. أما كتلة «التجمع الديموقراطي» (24 نائباً) فأعلنت أنها لن ترشح أحداً لهذا الموقع. ولا يعول مسؤولون أردنيون كثيراً على «صمود» الترشيحات النيابية سالفة الذكر، متوقعين تدخلاً وشيكاً في هذا الخصوص من جهة الملك، بسبب ما بدا أنه «تشظي» كتل نيابية و «انهيار» أخرى عند كل استحقاق دستوري. ورأى هؤلاء أن فرص النسور لتولي المنصب من جديد لا تزال الأقوى عند صانع القرار، ما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة. وكانت المشاورات الجارية بين مؤسسة الديوان والبرلمان اصطدمت ب «هشاشة» الكتل النيابية وعدم تشكلها على أسس حزبية. وتلقت أكبر كتلة نيابية وهي «وطن» أول من أمس، ضربة موجعة، باستقالة النائب المخضرم خليل عطية الملقب ب «البلدوزر» من عضويتها، احتجاجاً على مواصلة المنخرطين فيها ترشيح النسور، على رغم تمسك الأخير برفع الدعم عن المحروقات بنسب تجاوزت ال4 في المئة. وفي جلسة برلمانية أمس انتقد 90 نائباً قرار رفع الأسعار متعهدين بحجب الثقة عن النسور في حال كلف تشكيل الحكومة المقبلة مرة أخرى. وعكس هذا الهجوم كما يبدو، خشية نواب جدد التورط في تجربة نواب سابقين منحوا الثقة ل5 حكومات سابقة أقدمت على رفع الأسعار، ما جعلهم في مواجهة شارع غاضب، وهو ما دفع ملك الأردن إلى حل البرلمان الأخير، والتلميح إلى إمكان حل البرلمان الحالي إن «لم ينجح في كسب ثقة الشارع». يأتي ذلك، فيما قال الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي (الذارع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين كبرى الجماعات المعارضة في البلاد) حمزة منصور إن «الحزب لن يتعامل مع البرلمان كمؤسسة رسمية، لتحفظاته عن قانون الانتخاب». لكنه أضاف في تصريحات صحافية أمس أن «الحزب لن يمنع الحوار مع النواب كأفراد أو كتل نيابية». وجاءت هذه التصريحات، بعد ساعات قليلة على تقديم «الحكومة المصغرة» لمجلس شورى الحزب رؤية داخلية لم تعتمد بعد من جهة الجماعة، تتبنى «الدعوة إلى حوار جاد مع صانع القرار (الملك)، للخروج من الأزمة الراهنة». وكانت الانتخابات النيابية التي أجريت في 23 كانون الثاني (يناير) الماضي، في ظل مقاطعة الإسلاميين، أفضت إلى فوز شخصيات موالية للنظام أغلبها عشائرية ورجال أعمال مستقلين بمعظم مقاعد البرلمان ال150. وكانت حكومة عبدالله النسور قدمت استقالتها في 29 كانون الثاني (يناير) الماضي، لكن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني كلفها الاستمرار لحين تشكيل حكومة جديدة. ووفق العرف الدستوري المعمول به في الأردن تقدم الحكومة استقالتها إلى الملك بعد إجراء الانتخابات النيابية فوراً. وشكل النسور حكومته في 11 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وكانت مهمتها الأساسية إجراء أول انتخابات نيابية، على وقع ثورات عربية مجاورة. وكلف الملك كبار مساعديه في مؤسسة الديوان الملكي في 11 شباط (فبراير) الماضي مشاورة النواب في هوية الرئيس المرتقب، مع أن التعديلات الدستورية التي صادق عليها في آب (أغسطس) 2011 ونقلت بعض سلطاته إلى البرلمان، لا تلزمه الاستشارة بخصوص ترشيح الرئيس أو فريقه الوزاري.