تفاءل كثير من الفلسطينيين بالاجتماع الذي عقدته الحكومة الفلسطينية بكامل أعضائها في غزة الأسبوع الماضي، واعتبروه بداية لنهاية فعلية للانقسام الذي دام أكثر من سبع سنوات، لكن ما إن عاد الوزراء في اليوم التالي حتى اشتعلت الحرب الإعلامية مجدداً بين الحركتين المتصارعتين على السلطة (فتح وحماس). ويرى كثير من المراقبين أن شهر العسل السريع المتمثل في عقد اجتماع للحكومة في غزة تلاه تناول أعضائها طعام الغداء على مائدة نائب رئيس الحركة في القطاع إسماعيل هنية، لم يكن سوى رسالة موجهة الى مؤتمر المانحين الذي عقد في اليوم التالي في القاهرة، وهدف الى طمأنة المانحين بأن الحكومة تتولى فعلياً إدارة القطاع لتشجيعهم على تقديم تبرعات سخية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب الأخيرة على القطاع. لكن المانحين المترددين إزاء تمويل إعادة إعمار غزة لأسباب عديدة، لم يقدموا الكثير من المال لإعادة الإعمار. وتبين أرقام وزارة المال الفلسطينية، أن المانحين تبرعوا خلال المؤتمر بمبلغ 5.4 بليون دولار، لكن الجزء الأكبر من هذا المبلغ هو تعهدات سابقة مقدمه لدعم موازنة السلطة للسنوات الثلاث المقبلة. وتظهر أرقام الوزارة أن مبلغ 2.2 بليون دولار فقط أقر لتمويل إعادة الإعمار التي تصل تكلفته إلى نحو 4 بلايين دولار. وقال أعضاء في الحكومة إنهم غير واثقين من الحصول على المبلغ الذي جرى التعهد به لإعادة الإعمار لأن نحو نصفه (بليون دولار) تعهدت به دولة قطر. ويرى المسؤولون الفلسطينيون أن قطر قدمت هذا المبلغ الكبير بهدف مناكفة دول خليجية أخرى. وما أن انتهى مؤتمر إعادة الإعمار حتى عاد الخلاف والتوتر إلى العلاقة بين الجانبين، الذين اختلفا حتى على التفاصيل الفنية لإعادة الإعمار، مثل الطواقم الفنية التي ستشرف على المعابر. ففيما تصر «فتح» على إحالة المعابر على سلطة المعابر في السلطة، تصر «حماس» على أن تمثل الوزارات المختلفة العاملة في غزة في هذه الطواقم. وقال مسؤولون في الحركتين إن الخلاف بينهما يدور على الملفات الكبيرة، السياسية والأمنية والإدارية. وتطالب «فتح» باتفاق على برنامج سياسي مشترك، وعلى إدارة حكومية واحدة للمؤسسة الأمنية وللدوائر الحكومية، فيما تطالب «حماس» ببرنامج يمثل خطوطها الحمر، وبإدارة محلية للمؤسستين الأمنية والمدنية في القطاع. لكن «فتح» ترى أن «حماس» تريد من وراء المصالحة تحميلها مسؤولية رواتب الموظفين والخدمات في غزة من دون منح حكومتها سلطة فعلية على القطاع، ما يجعلها تصر على المطالبة بالسلطة كاملة في القطاع قبل تولي المسؤوليات. وأطلق مسؤولون في الحركتين في الأيام القليلة الماضية تصريحات حادة بعضهم تجاه بعض، فمن جانبه أعلن الرئيس محمود عباس (ابو مازن) أنه يريد «سلطة واحدة وقانوناً واحداً وسلاحاً واحداً» في غزة. وقال إنه من دون ذلك «لن تكون هناك مصالحة أو وحدة». وأضاف في مقابلة صحافية مع إحدى محطات التلفزة المصرية: «إذا قبلت حماس ستكون هناك وحدة، وإذا رفضت لن تكون هناك وحدة». وأضاف: «حتى الآن لم يحدث، وعندما يحدث ستكون هناك رغبة حقيقية للوحدة، ولو بقيت الشرطة والسلاح (تحت سيطرة حماس) لن تكون هناك وحدة وطنية». وسارع الناطق باسم «حماس» سامي أبو زهري إلى الرد على تصريحات الرئيس، قائلاً في بيان رسمي: «تصريحات عباس المتكررة عن إدانته المقاومة، وأنه غير معني بأي مصالحة حقيقية مع حماس، تعكس سوء النيات»، مضيفاً: «موقف عباس الرافض للمقاومة هو موقف شخصي ومعزول». وأطلق فتحي حماد، وزير الداخلية السابق لحكومة «حماس» التي تقول حركة «فتح» إنه ما زال القائد الفعلي لأجهزة الأمن في القطاع، تصريحات أشد ضد عباس، قائلاً إن «رئيس السلطة يعيش حالة افتراق مع الشعب الفلسطيني... وتهجمه على إنجازات المصالحة والمقاومة لا يعبر عن شعب منتصر». وتوالت التصريحات الهجومية على عباس من قادة «حماس»، إذ أعلن النائب عن الحركة مشير المصري، أن موقف الرئيس الذي حمّل «حماس» المسؤولية عن الحرب الأخيرة، «يجعله يتحدث مثل قادة الاحتلال». أما النائب عاطف عدوان من كتلة «حماس»، فقال: «أبو مازن يتلاعب بمشاعر أهل القطاع في ما يتعلق بالرواتب أكثر ممّا يفعل الإسرائيليون أنفسهم عندما يهدّدون بشن حرب على غزة». وأضاف: «فلسطين ليست عزبة خاصة لأبو مازن، ولسنا قطيعاً يسوقنا في أي اتجاه أراد، فنحن شعب من الأحرار، وليجد أبو مازن شعباً آخر من العبيد».