تحوّل الموت المفاجىء في الجزائر إلى مادة تتصدّر عناوين الصفحات الأولى في الصحف ونشرات الأخبار. الطرق تحصد عشرات الأرواح يومياً، حتى كادت الجزائر تتبوّأ عن جدارة المرتبة الأولى في العالم العربي من حيث عدد ضحايا الحوادث. ووفق الأرقام التي تنشرها مصالح الأمن يومياً عن حوادث المرور، «أصبح من اللازم تحرّك السلطات لفرملة عجلة المجازر التي تُصنع يومياً على طرقاتنا»، على ما يقول السيد ضيفي (سائق سيارة أجرة)، الذي يبدي تخوفاً على الجميع، إذ «لا أحد في مأمن من غول الطريق الذي يلتهم الجميع دون استئذان». قتيل كل 25 دقيقة على الطرق الجزائرية وفي حصيلة لمصالح الدرك الوطني، لقي 473 شخصاً مصرعهم، وأصيب 5656 بجروح، في 2816 حادثاً، خلال شهر آب (أغسطس) الماضي، أي بمعدل 16 قتيلاً يومياً. لكن الأمر، على خطورته، لم يقف عند هذا الحد. إذ كانت الفترة الممتدة بين 19 و25 آب (أغسطس)، أكثر دموية من خلال مقتل 105 أشخاص، في حين سجلت المصادر ذاتها مقتل 32 شخصاً يومي 11 و12 أيلول (سبتمبر) الماضي. وبعملية حسابية بسيطة، فإن الجزائر تسجل مقتل شخص كل 25 دقيقة على طرقها. وأحصت مصالح الدرك الوطني 44.907 حادث مرور سنة 2013، ما يعادل 124 حادث يومياً. وفي وقت ترجع المصالح الأمنية الجزائرية أسباب ارتفاع حوادث المرور إلى العامل البشري بالدرجة الأولى، كالسرعة المفرطة، والتجاوز الخطير، وعدم احترام إشارات المرور، فإن المتتبعين لهذه الحوادث يضيفون على ذلك غياب قوانين ردعية تضع حداً لمأساة الآلاف من العائلات، كما يوضح عبدالله (صاحب مدرسة لتعليم القيادة). ويضيف عبدالله إلى ذلك «وكالات إيجار السيارات، فغياب قوانين واضحة تسيّر هذه الوكالات، فتح باباً أمام أصحاب رخص القيادة الجديدة لاستئجار سيارات بأثمان زهيدة، لا تتجاوز 1200 دينار جزائري (10 دولار) لليوم، ثم القيام بمناورات رهيبة على الطرق، تؤدي إلى حوادث مميتة. أضف إلى ذلك أن هؤلاء الشباب، وبعد إيجارهم للسيارة، يعيرونها بدورهم لأصدقائهم ممن لا يملكون رخصاً، ولكم أن تتصوّروا السيناريو الباقي». ولم يسلم من حوادث الطرق أصحاب السيارات، ولا المشاة، ولا أصحاب الدراجات، التي يقول طارق إنه من عشاقها ومحبيها، ويتابع: «أستند يومياً إلى قواعد السلامة، وأنا في طريقي لعملي اليومي، من وضع الخوذة إلى لبس واقيات الاصطدام، إلى القفازات، ولكن لا أخفي خوفي من الطريق، فأنا أنظر إلى عيني زوجتي مطولاً، قبل مغادرتي البيت، خوفاً من أن لا أراها مجدداً، فالدراجات مستهدفة بكثرة في الطريق إذ لم يضع المعنيون نصب أعينهم إنجاز رواق خاص بها، والأخطار تحدق بسائقيها أكثر من السيارات». وفي محاولة للحد من الحوادث، اتخذ المعنيون إجراءات عملياتية ردعية، إذ أودعت 4645 مركبة في الحجز، وسُحبت 37564 رخصة سوق، بالإضافة إلى إعداد جملة من الاقتراحات القانونية والوقائية. كما تضمّن قانون تنظيم حركة المرور تعديلات على العقوبات في حق مرتكبي مختلف الجنايات، سواء تعلّق الأمر بأصحاب السيارات الخاصة أو وسائل النقل الجماعية. وتنص العقوبات بحق المخالفين على السجن بين سنتين و10 سنوات، وفرض غرامات مالية تتراوح ما بين 1000 و10000 دولار. ووفق تقرير لمصالح الوقاية الأمنية في مديرية الأمن العمومي، في المديرية العامة للأمن الوطني، فإن تكلفة حوادث المرور في الجزائر لسنة 2013 تجاوزت 400 مليون دولار، ناهيك عن المآسي الإنسانية الناتجة عن الوفيات والجرحى والصدمات النفسية، وغيرها، حيث يتم إحصاء قرابة 4000 ضحية سنوياً، وهي أرقام كبيرة، لها من الدلالة ما يجعل الجميع يدق ناقوس الخطر.