تشهد طهران ومدن إيرانية كبرى، مثل مشهد وتبريز وأصفهان، ظاهرة استخدام دراجات نارية لنقل المسافرين والطرود، بوصفها حلاً اجتماعياً ابتدعه العقل الإيراني لمعالجة الازدحام المروري في مدينة يتجاوز عدد سكانها 12 مليوناً، مثل العاصمة. وتفيد معلومات رسمية بوجود أكثر من 4 ملايين سيارة في طهران، فيما تُظهر سجلات دائرة المرور منح ألفي رقم سيارة يومياً في العاصمة فقط، ما أحدث إرباكاً مرورياً يؤثر في نسب تلوّث البيئة، ويفاقم اختناقات المرور. ولم تنجح تدابير السير التي منعت دخول السيارات وسط المدينة، سوى في إطار نظام خاص ونظام الأرقام الزوجية والفردية، في حلّ مشكلة الاختناق المروري، بسبب كثرة عدد السيارات ومحدودية الطرق. وأمام هذا الوضع الذي يجعل التنقل في طهران أمراً شديد الصعوبة، ابتكر الإيرانيون طريقة لتجاوزه، من خلال نقل الركاب والطرود والمراسلات عبر دراجات نارية يمكنها عبور الطرق والأزقة، خصوصاً وسط العاصمة، في سهولة أكبر من سيارات الأجرة. وبات طبيعياً أن تجد أماكن مخصصة لوقوف أصحاب الدراجات النارية لنقل الركاب في الساحات العامة، مثل ساحة الإمام الخميني وسط طهران، والبازار، وساحات «انقلاب» و «هفت تير» و «فردوسي» و «تجريش». وحدا الأمر ببلدية العاصمة إلى منح تراخيص لمكاتب خاصة لنقل الركاب والطرود، لتنظيم عملها والحفاظ على مصالح المواطنين، إذ ثمة أكثر من 450 مكتباً في طهران، ما يتيح للشركات وأصحاب المصالح والأعمال الاتصال بها هاتفياً من اجل الحصول على دراجة نارية لنقل الطرود، في أسرع وقت وبأرخص الأسعار. وكان لافتاً أن عمل هذه المكاتب مؤمّن لدى شركات التأمين، للحفاظ على الطرد المرسل والتأمين عليه من التلف والضياع والسرقة. وأشار صاحب أحد أبرز مكاتب النقل الخاص بالدراجات النارية في ساحة «هفت تير»، إلى أن هذه الخدمة تلقى إقبالاً واسعاً من المواطنين، بسبب سرعة النقل والتوصيل، خصوصاً في الصيف. وأضاف: «تتسع خدماتنا لتشمل مراجعة الدوائر الحكومية والأماكن العامة وإنجاز هذه الخدمات بأسرع وقت، من دون تكليف الزبائن الخروج من عملهم أو منازلهم». وتفرض هذه المكاتب شروطاً على صاحب الدراجة النارية الطالب للعمل، أهمها ألا يكون محكوماً عليه بجنحة أو من أصحاب السوابق أو المدمنين على المخدرات، إذ يتقاسم المكتب الأجرة مع صاحب الدراجة النارية، بنسبة 25 في المئة لصاحب المكتب و75 في المئة لمالك الدراجة، علماً أن القانون في إيران يمنع سوق الدراجة النارية من دون إجازة سوق خاصة تُمنح لمالكيها. ظاهرة العمل على الدراجات النارية تسوّي مشكلات اجتماعية، إذ تتيح وظيفة لعاطلين عن العمل، خصوصاً الشباب، بينهم حاملو شهادات جامعية، بسبب نسبة البطالة المرتفعة وغلاء المعيشة وإمكان شراء دراجة نارية للعمل وكسب العيش. يذكر مالك دراجة نارية لنقل الركاب والطرود أنه يكسب من هذه المهنة مئة ألف تومان يومياً، أي 33 دولاراً تقريباً، وهذا مبلغ جيد بالنسبة إلى الرواتب في المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة. لكنه يشكو من أن الأمر لا يخلو من مخاطر مرورية وصحية، مستدركاً: «لكنها في النهاية تعالج مشكلة البطالة ولو موقتاً».