يستخدم صيادو غزة مصابيح الإنارة كثيراً لجذب الأسماك على وهجها حول قواربهم واصطيادها، لكن إسرائيل تستهدف تلك المصابيح. على متن قاربه الصغير، الذي لا يتجاوز طوله 6 أمتار، لملم الصياد الغزيّ، محمد النجار (37 عاماً)، شباكه وعقد نيّته للنزول إلى البحر "ليلا" ليصطاد منه ما قُدّر له، كي يطعم أسرته المكونة من عشرة أشخاص، بينهم والدته المريضة. وعلى بعد 4 كيلومترات من شاطئ غزة، تتجمع مراكب البحرية الإسرائيلية، التي يطلق عليها الصيادون اسم "بومة الليل"، توقف النجار هناك، خوفا من تعرّض "البومة" له. أشعل المصابيح المستخدمة لتجميع الأسماك حول القارب، وانتظر نحو ساعة من الزمن. لحظات قضاها النجار وقلبه يخفق خوفاً كلّما شاهد من بعيد قوارب البحرية الإسرائيلية تحوم وسط البحر، فعندما حانت لحظة العمل، وصل النجار إلى حافة القارب - بخطوات متأرجحة - وثبّت أقدامه، ورمى شباكه بحثا عن رزقه. وبينما كان منهمكا بسحب الشباك، سمع صوتاً من بعيد عبر مكبّر صوت يناديه: "اتجه نحو الشرق مسافة 200 متر، حالا وإلا لن تخرج سالماً". كان صوت الجنود الإسرائيليين على مراكب البحرية. ولئلا يتسببوا في إعطاب مركبه، سارع النجار إلى سحب الشباك، وأطفاء عدد من المصابيح، ثم اتجه شرقاً، فإذا بالبحرية الإسرائيلية تنتظره هناك، وتفتح النيران في اتجاهه. في البداية، أطلقت نيرانها على المصابيح لكي تعطّل عميلة الصيد ثم صوبت أنبوب مياه بضغط شديد نحو المركب، فألقت المياه المتدفقة النجار أرضاً، وتسببت في تعطيل المركب ومعداته. يقول النجار: "تعرّض لهجوم إسرائيلي قبل ثمانية أيام، وأصبت في قدمي. وتعرّض زميلي لصعقة كهربائية قاسية نتيجة ضخ المياه على المولد الكهربائي". ولفت إلى أن أضراراً كثيرة لحقت بمركبه، حيث تلفت عشرة مصابيح ومولدين كهربائيين. ويوضح أن سعر المصباح بين 150 و200 دولار، واللمبة المضيئة وحدها بنحو 30 دولارا. ويضيف: "في كل قارب يجب تثبيت 5 مصابيح، على الأقل، وإلا فشلت عملية الصيد ليلاً التي تعتمد على الضوء الشديد. ويشدد على أن "البحرية الإسرائيلية تستهدف الصيادين لمجرد التضييق عليهم وزيادة الخناق، وأعباء الحياة". يذكر الصياد وأمين سر نقابة الصيادين في قطاع غزة، أمجد الشرافي، إنه تعرّض قبل ثمانية أشهر، لهجوم إسرائيلي في عرض البحر، حيث أطلقت البحرية النيران على مراكب الصيد، وبدأت في تحطيم مصابيحها. ويضيف "أصبت برصاصة في قدمي وتعطّل مركبي. ثم اقتادتنا البحرية الإسرائيلية إلى ميناء أشدود وأطلقت سراحنا صباح اليوم التالي بعد نحو 10 ساعات. ولا يزال قاربي محتجزا حتى اللحظة". ويتهم الشرافي إسرائيل بتعمد تضييق الخناق على الصيادين، ومنعهم من مزاولة مهنتهم، حيث "تبدأ باستهداف كشافات الإنارة، وبعدها تستخدم مياه الضغط المرتفع لتعطيل الأجهزة الكهربائية، وتطلق النيران للترهيب وأحياناً تصيب وتقتل، وتحتجز القوارب أوقاتاً طويلة". ويشرح زكريا بكر، مسؤول لجنة الصيادين في اتحاد لجنة العمل الزراعي بغزة، ان المراكب الصغيرة تحتاج إلى 5 أو 10 مصابيح، بينما تحتاج الكبيرة منها إلى 50 أو 100، كل صياد بحسب وضعه الاقتصادي. ويقول إن استهداف المصابيح يتأتي "لتكبيد الصيادين مبالغ كبيرة، ومنعهم من النزول إلى البحر"، مشيراً إلى أنه في موسم أسماك السردين يزيد الإسرائيليون من استهداف المصابيح لأن هذا النوع من الأسماك لا يتجمع إلى عند الضوء". وثمة أساليب أخرى تستخدمها البحرية الإسرائيلية لإغراق قارب الصيد من خلال الدوران حولها بأقصى سرعة بزوارقهم الحربية، مع إطلاق المياه شديدة الضغط إلى داخل القارب". ويذكر بكر أنها، منذ بداية الشهر الجاري، أغرقت 6 قوارب صيد وأتلفت 9 مولدات كهربائية وأكثر من 60 مصباحاً. وتصاعد هذا النوع من الانتهاكات بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، برعاية مصرية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، الذي أُعلن خلاله تخفيف الحصار البحري، وتوسيع رقعة الصيد المسموح بها إلى نحو 9.5 كيلومترات. ثم تراجعت إسرائيل، التي تحاصر قطاع غزة منذ أكثر من 6 سنوات، عن هذا الاتفاق، وأعادت حصر منطقة الصيد المسموح بها إلى نحو 5 كيلومترات مرة أخرى نهاية آذار/مارس 2013.