فجر قرار المجلس الوطني لحزب «الاستقلال» المغربي الانسحاب من الائتلاف الحكومي بقيادة حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي أزمة سياسية هي الأكبر منذ تشكيل الحكومة بقيادة عبدالإله بن كيران بعد الانتخابات التشريعية في العام 2011، ما استدعى تدخل الملك محمد السادس للطلب من «الاستقلال» الاستمرار في الحكومة. ولفتت مصادر إلى أن القرار الذي لم يكن متوقعاً اتخاذه بإجماع برلمان الحزب جاء على خلفية ما نسب إلى بن كيران من أن في إمكان «الاستقلال»، صاحب ثاني أكبر كتلة نيابية بعد «العدالة والتنمية»، أن يغادر مقاعد الحكومة ويطلب سحب الثقة منها في آخر اجتماع لفرقاء الغالبية الأسبوع الماضي. ودخل الملك محمد السادس على خط الأزمة الحكومية وطلب إلى الأمين العام ل «الاستقلال» حميد شباط مواصلة وزراء الحزب مهامهم الحكومية إلى حين عودته من زيارته فرنسا، استناداً إلى المادة 42 من الدستور التي تمنح الملك صلاحيات «التحكيم في المنازعات القائمة بين المؤسسات وصون الخيار الديموقراطي». وقالت اللجنة التنفيذية ل «الاستقلال» في بيان إن الملك طلب في اتصال هاتفي مع شباط «الإبقاء على وزراء الحزب في الحكومة حفاظاً على السير العادي للحكومة»، مضيفاً ان «مذكرة في الموضوع سترفع إلى جلالته». وأضافت أنها «تقدر عالياً الاهتمام الملكي... لضمان شروط الاستقرار»، معلنة «التجاوب الكامل لحزب الاستقلال مع إرادة جلالته في خدمة المصلحة العليا للوطن». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن الناطق باسم الحزب عادل بن حمزة قوله: «طلبنا من وزرائنا البقاء في الحكومة لتدبير الأمور العادية في انتظار عودة الملك، وإلى الآن لم نتراجع عن قرارنا» بالانسحاب. وكان قرار الانسحاب أشار إلى الاحتكام إلى المادة 42 التي تضع الملك حكماً بين المؤسسات. وقال شباط في أول تصريح له بعد قرار الانسحاب: «لا بد من الرجوع إلى المؤسسة الملكية بما أن الملك هو الذي يعين الحكومة حسب ما ينص عليه الدستور». ولم يستبعد بقاء حزبه في الحكومة الحالية «اذا ما تمت الاستجابة لمطالب الحزب». وكان الحزب عزا القرار إلى أن بن كيران «لا يأخذ في الاعتبار خطورة الوضع الاقتصادي والاجتماعي». والتزم رئيس الحكومة من موقعه على رأس «العدالة والتنمية» الصمت، مؤكداً في بيان حزبي أن «مواقف الحزب هي التي يعبر عنها الناطق باسمه، وما دونها يُلزم أصحابه»، في محاولة للحؤول دون تصعيد الموقف. وتفتح الأزمة المشهد السياسي على سيناريوات عدة، في مقدمها الإبقاء على الوضع الراهن والتزام نواب «الاستقلال» دعم الحكومة في حدود خيار تجربة حكومة أقلية. لكن لا يبدو أن «العدالة والتنمية» سيكون مطمئناً إلى هذا الوضع، خصوصاً أن «الاستقلال» ظل يعاكسه من داخل الائتلاف الحكومي وهو ما يتوقع زيادته في حال انسحابه من الحكومة. ويميل السيناريو الثاني إلى استبدال حزب «تجمع الأحرار» بمقاعد «الاستقلال» ما يبقى على الغالبية العددية في مجلس النواب. لكن ذلك يظل رهن الموقفين المتناقضين لحزبي «العدالة والتنمية» و «تجمع الأحرار»، كونهما خاضا مواجهات شرسة في الانتخابات الأخيرة، إضافة إلى اتهام نواب في الحزب الاسلامي زعيم «الأحرار» باستغلال النفوذ والفساد في قضية ينظرها القضاء. أما السيناريو الثالث فقد يدفع رئيس الحكومة إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات اشتراعية سابقة لأوانها بعد استشارة الملك. وهذا الخيار تواجهه صعوبات أقلها أن الظرف الراهن لم يسمح بتحديد موعد استحقاقات البلديات التي أرجئت، وهي صعوبة يتوقع أن تنسحب على انتخابات اشتراعية قد تعيد رسم المشهد السياسي برمته. ويرى مراقبون أن انسحاب «الاستقلال» ستترتب عليه معطيات في مقدمها إعادة الدفء إلى تحالفه ورفيق الدرب القديم «الاتحاد الاشتراكي» الذي اختار مغادرة حكومة بن كيران منذ بدء مشاورات تشكيلها. وكان «الاستقلال» و «الاتحاد الاشتراكي» و «التقدم والاشتراكية» يلتقون تحت مظلة «الكتلة الديموقراطية» التي قد يكون إحياؤها من أولى ثمار التململ الراهن داخل الائتلاف الحكومي.